وأمّا الرّواية الأخيرة فهي على خلاف مطلب المورد أدلّ ؛ إذ الظاهر ممّا أتاهم وعرّفهم هو ما أرشدهم العقل إليه أو المذكور في الخبر من أوامر الكتاب ونواهيه هو مثل الصلاة والصيام ممّا لا يستقلّ به العقل ولا دلالة في الخبر على أنّ المراد أنّ الاحتجاج لا يتمّ إلّا بمجموع الأمرين من الإتيان والتّعريف وإرسال الرّسل.
وأما قوله عليهالسلام : «كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي» (١) ، فلا يدلّ على أنّ كلّ ما لم يرد فيه نصّ فهو مباح وإن أدرك العقل قبحه كما توهّم ، بل المراد منه ما لا يدركه العقل ، فلا بدّ إمّا من تخصيص كلمة شيء أو تعميم النهي بحيث يشمل مناهي العقل.
وقد ذكر بعضهم في تقريب الاستدلال به وجهين :
الأوّل : أنّ الرّواية من باب الخبر لا الإنشاء ، ومعناها أنّ كلّ شيء لم يرد من الشّارع منع فيه ولم يصل إلينا ، فلا يحكم عليه بالمنع الشّرعي ؛ وإن كان محظورا عند العقل استنادا إلى منع إدراك العقل العلّة المقتضية لحكم الشّرع فيبنى على أصالة البراءة حتى يصل النهي ؛ فدلّ الخبر على أنّه لا يصحّ الحكم بوجوب شيء أو حرمته شرعا لحكم العقل بحسنه وقبحه.
والثاني : أنّها إنشاء لحكم ما لم يرد فيه نهي ، ومعناها أنّ حكم كل ما لم يرد فيه نهي هو الإباحة وإن أدرك العقل قبحه ، وأنت خبير بأنّ المعنى الأوّل أيضا إنشاء للحكم ، فإنّ المنع عن الحكم بالمنع الشّرعي وأنّه حرام شرعيّ ، مثلا إذا صدر عن
__________________
(١) رواه ابن بابويه في «الفقيه» في تجويز القنوت بالفارسية ١ / ٣١٧ الحديث ١٣٧ ، وهو ما استدل به أيضا الفاضل في «الوافية» ، ص ١٧٣ إنكاره الملازمة ، وضعّف في «الفصول» ص ٣٤٧ التمسّك في المقام بهذه الرّواية.