فإن قلت : إنّ إطلاق الرّخصة فيما لا يدركه العقول أيضا يوجب الرّخصة في القبيح في الجملة ؛ إذ القبيح النّفس الأمريّ قبيح في نفس الأمر وله خاصّيّة ذاتيّة توجب تأثيرا كالسّمّ.
ولا ريب أنّ في جملة ما لم يرد فيه نصّ ولم يصل إلى المكلّف بعد مقابح ، فكيف يحكم الشّارع بالرخصة في جميعه.
قلت : بعد ما قدّمنا لك في مباحث الأخبار في مقام بيان أنّ الشّارع اكتفى عن المخاطبين بما يفهمونه بظنّهم وإن لم يكن موافقا للواقع لا يبقى لك مجال لهذا البحث فراجع ثمة ، وما يوافق هذا الخبر من رخصة تعاطي ما فيه حلال وحرام حتّى يعرف الحرام بعينه ، وترخيصه أخذ اللّحوم والجلود من سوق المسلمين ، وترخيصه أكل طعام أهل الكتاب من غير اللّحوم ، ونحو ذلك في غاية الكثرة.
والجواب عن الكلّ واحد ، فإنّ الحسن والقبح قد يكون بالوجوه والاعتبارات ، فتأثير الأشياء تابع لتلك الوجوه ، مثل تفاوت الأشخاص والأزمان والأمكنة ، وحال العلم والجهل وغيرهما. وقد يتدارك تأثير التسمية بترياق الإتيان من باب التسليم والانقياد والامتثال بحكم الله الظّاهرىّ.
وثالثها : أنّ أصحابنا والمعتزلة قالوا : إنّ التكليف فيما يستقلّ به العقل لطف ،
__________________
ـ إن كان لقرينة لفظية ظاهرة كانت أو عقلية لا تخرج الدّلالة عن الظهور ، بل يكون الظاهر حينئذ ما دلّت عليه القرينة ، فإنّ أسدا وإن كان ظاهرا في الحيوان المفترس إلّا إلّا أنّه مع قولك يرمي ليس ظاهرا فيه ، بل ظاهر في غيره ، وبعد ما بيّن انّ الشارع لا يجوز منه أن يبيح ما أدرك العقل قبحه يكون الخبر ظاهرا فيما ذكره من خصوص صدره أو عموم ذيله كما في حاشية الملا محمد تقي الهروي.