يعني أنّ انضمام التكليف الشرعي بالتكليف العقلي (١) بمعنى تواردهما معا لطف ، كما أنّ مطلق التكليف السّمعي لطف فيما لا يستقلّ به العقل ، والعقاب بدون اللّطف قبيح ، فلا يجوز العقاب على ما لم يرد فيه من الشّرع نصّ لعدم اللّطف فيه حينئذ.
أقول : سلّمنا وجوب اللّطف ، لكن وجوب كلّ لطف ممنوع (٢) ، إذ كثير من الألطاف مندوبة ، فإنّ التكليفات المندوبة أيضا لطف في المندوبات العقلية أو مؤكّدة للواجبات العقلية (٣) ، وقد يكتفى في اللّطف بالتكليف بسمعيّ لا يستقلّ به
__________________
(١) أريد بالتكليف الشرعي الايجاب والتحريم الشرعيين اللّذين يدركهما العقل بعد إدراكه الوجوب والحرمة العقليين بالمعنى المرادف للحسن والقبح ، لا ما هو مفاد الخطاب اللّفظي وإلّا لعبّر عنه بالتكليف السمعي كما عبّر به فيما بعد. وعلى هذا فالوجه المذكور دليل لنا لا علينا. والسرّ في ذلك انّ هذا الكلام من أصحابنا والمعتزلة إنمّا قصد به إثبات الملازمة بين حكم العقل والحكم الشّرعي بقا عدة اللّطف ، فكيف يستدلّ به لنفي الملازمة. وممّا يرشد الى ذلك أيضا انّ جمهور العدلية جعلوا الايجاب والتحريم الشرعيّين لطفا في الواجبات والمندوبات العقلية ولم يقصدوا بذلك انّه لا بد وان يكون بخطاب لفظيّ حتى في المستقلّات ، لأنّ غاية ما ذكروه كون الإيجاب والنّدب بالمعنى المتضمّن للطلب الفعلي لطفا ، وهذا أعمّ من أن يكون مدلولا عليه بالعقل وبخطاب الشّرع هذا كما أفاده السيد القزوينى في حاشية.
(٢) يعنى ان قولهم بوجوب اللّطف إنّما يسلم على طريقة القضيّة المهملة التي هي في قوّة الجزئيّة ، بل على طريقة الجزئيّة الخاصّة ، فإنّ اللّطف منه ما هو واجب ومن جملته التكليف السّمعي فيما لا يستقل به العقل ، ومنه ما هو مندوب ، ومن جملته التكليف السمعي فيما يستقل به العقل ، فبطل بذلك ما أطلقه المستدلّ من أنّ العقاب بدون اللّطف قبيح فإنّه إنّما يسلّم في الألطاف الواجبة لا المندوبة. كما في حاشية السيد القزويني أيضا.
(٣) وقد تعرّض لهذا القول في «الفصول» ص ٣٤٥ وقوله أو مؤكدة مرفوع عطفا على ـ