العقل لا بنفس التكليف العقليّ كما يشير إليه قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ)(١).
فوجوب كل الألطاف إذا لم يثبت ، فإن أراد من قوله : إنّ العقاب بدون اللّطف قبيح قبحه مع عدم شيء من الألطاف فسلّمناه ، لكن اللّطف لا ينحصر في توافق التكليف السّمعي وتوارده مع التكليف العقلي ، وانتفاء المقرّب إلى الطاعة والمبعّد عن المعصية بدون ذلك ممنوع ، إذ البلاء والمرض والموت وأمثال ذلك ، وكذلك سائر التكاليف السّمعية كلها لطف.
مع أنّا نقول : إنّ بعث الأنبياء ونصب الأوصياء وإنزال الكتب من الألطاف البالغة ، ومع ذلك فأمر النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بمتابعة العقل وورود الكتاب بذلك كاف في التقريب والتبعيد ولا حاجة إلى الحكم الخاصّ بما يوافق مدركات العقل.
__________________
ـ قوله : لطف ، يعني إنّ التكليف النّدبي بالمندوبات العقلية مؤكد للواجبات العقلية ، وهذا قريب من ما ذكره المحقق الثاني في «جامع المقاصد» في بيان نيّة وجه الوجوب والنّدب في الوضوء حيث قال : المراد بوجه الوجوب والنّدب السّبب الباعث على ايجاب الواجب وندب المندوب فهو على ما هو قرّره جمهور العدليين من الإمامية والمعتزلة انّ السّمعيات ألطاف في العقليات ، ومعناه انّ الواجب السّمعي مقرّب من الواجب العقلي أي امتثاله باعث على امتثاله ، فإنّ من امتثل الواجبات السّمعية كان أقرب الى امتثال الواجبات العقلية من غيره ، ولا معنى للّطف إلّا ما يكون المكلّف معه أقرب الى الطاعة ، وكذا النّدب السمعي مقرّب من الندب العقلي أو مؤكدا لامتثال للواجب العقلي فهو زيادة في اللّطف والزّيادة في الواجب لا يمتنع أن يكون ندبا. ولا نعني أنّ اللّطف في العقليات منحصر في السّمعيات فإنّ النّبوة والإمامة ووجود العلماء والوعد والوعيد ، بل جميع الآلام تصلح للألطاف فيها ، وإنّما هي نوع من الألطاف.
(١) العنكبوت : ٤٥.