فقوله : فلا يجوز العقاب ... الخ ؛ إن أراد عدم نصّ أصلا ، فعلى فرض تسليم أصل المسألة نسلّمه ، ولكن النصّ على لزوم مطلق متابعة العقل موجود.
وإن أراد عدم نصّ خاص يرد على ما يستقلّ به العقل فلزومه ممنوع ، وكذا عدم جواز العقاب حينئذ ممنوع.
ثم اعلم أنّ ما ذكرنا من حكم ما يستقلّ بإدراكه العقل وأنّه دليل الشّرع إنّما كان مبنيّا على القول بأنّ العقل يدرك الحسن والقبح كما هو مذهب العدليّة وأكثر العقلاء ، وحكمهم بإدراكه إنّما هو على طريق الإيجاب الجزئيّ.
فإنّ بعض الأشياء ممّا يدرك حسنها وقبحها بالضّرورة كالصّدق النافع والكذب الضارّ ، وبعضها بالنظر كقبح الصّدق الضارّ وحسن الكذب النّافع.
وبعضها ممّا لا يدرك العقل فيه شيئا ، والأشاعرة يقولون بعدم إدراكه على طريق السّلب الكلّي.
ثم إنّهم بعد التّنزّل والمماشاة ناظروا مع القائلين به في الأشياء الغير الضّرورية للتّعيّش ، كالتنفّس في الهواء ، وشرب الماء عند العطش الشّديد قبل ورود الشّرع مع وجود النّفع فيها كشمّ الطّيب ، وأكل الفاكهة ، وقالوا : بأنّ العقل لا يدرك فيها شيئا.
واختلف القائلون بالتّحسين والتّقبيح (١) : فوافقهم بعضهم.
وذهب آخرون الى الحظر.
__________________
(١) فقد اختلف القائلون بالتّحسين والتّقبيح والمنكرون لهما بعد التّنزّل في حكمه قبل ورود الشّرع فذهب الأكثرون الى الإباحة ، وآخرون الى الحظر ، وذهب الحاجبي إلى أنّه لا حكم فيه أصلا ، وتوقف شيخ الأشاعرة ، وفسّر تارة بعدم العلم بالحكم وأخرى بعدم الحكم.