وتوقّف بعضهم.
وذهب الأكثرون الى أنّ العقل يدرك إباحتها ، فيكون دليلا على الإباحة الشرعيّة(١).
ويظهر من ذلك أنّ ما هو المسلّم عند كلّ القائلين بالتّحسين والتّقبيح العقليّين ، والمتّفق عليه بينهم ، إنّما هو الأحكام الأربعة في الجملة ، وليس عندهم شيء مباح عقليّ كان متّفقا عليه بينهم (٢) إذ الحكم بالإباحة العقلية موقوف على حكم العقل باستواء الفعل والترك في المصلحة والمفسدة ، بأن لا يكون في شيء منهما مصلحة ولا مفسدة ، فإذا كان مثل أكل الفاكهة وشمّ الطيب من الخلافيّات بينهم ؛ فأيّ شيء يبقى بعد ذلك لأن يحكموا عليه بالإباحة بالاتّفاق.
فما لا منفعة فيه (٣) أصلا مثل تحريك اليد بلا جهة ولا داع ، ومضغ الخشب والنّبات الغير اللّذيذ ، لا حكم للعقل فيها عند الكلّ (٤) ، ولذلك عقدوا مسألة التنزّل
__________________
(١) لمزيد من المعرفة في المقام راجع «الفصول» ص ٣٤٦ و «هداية المسترشدين» ٣ / ٥٠٤ ، و «المحصول» ١ / ٥٤.
(٢) وقد استدل على ضعف هذا القول في «الفصول» ص ٣٤٦.
(٣) وقد علق هذا الكلام صاحب «الفصول» فيه عند بحثه الى انقسام الفعل بالتّحسين والتّقبيح الى ما يستقل العقل بإدراك حسنه او قبحه ، والى ما لا يستقل به فقال : وكأنّهم أخذوا القيد المذكور من الحجّة المعروفة للقائلين بالإباحة حيث اعتبروا في الفعل اشتماله على المنفعة والأقرب عندي أن يحمل المنفعة المأخوذة في الدليل على منفعة ما أعني موافقة القصد والدّاعي سواء سميت عرفا منفعة أو لا ومرجعها الى ما يمتنع بدونها صدور الفعل الاختياري ، وبهذا يحصل التّوفيق بين الدّليل والعنوان ، وحمل كلام المعتبرين لهذا القيد في العنوان على ذلك تعسّف واضح.
(٤) والاتفاق الذي حكاه المصنّف على أنّه لا حكم فيما لا يشتمل على المنفعة فكأنّه ـ