فيما يشتمل على منفعة ، وما هو من ضروريّات العيش ، يحكم العقل بالرّخصة فيها اتّفاقا ، بل بوجوبها ، لأنّ تركها موجب لقتل النفس القبيح عقلا ، المنافي لغرض الخالق من خلقه ، ولذلك لم يختلف فيه القائلون بإدراك الحسن والقبح للعقل.
وممّا ذكرنا (١) ظهر ما في كلام الفاضل الجواد رحمهالله حيث قال : الأشياء الغير الضروريّة عند المعتزلة قسمان : ما يدرك العقل حسنها أو قبحها ، وينقسم الى الأحكام الخمسة ـ الى أن قال ـ : وما لا يدرك العقل حسنها ولا قبحها ، ولكنّها ممّا ينتفع بها ، كشمّ الطّيب وأكل الفاكهة مثلا ، فهذا قبل ورود الشّرع ممّا اختلف في حكمها ... الى آخر ما ذكره (٢).
وتبعه في هذه الغفلة (٣) بعض الأفاضل ممّن تأخّر عنه أيضا.
والمختار قول الأكثر من الحكم بالإباحة ، لأنّها منفعة خالية عن أمارة المفسدة
__________________
ـ وقع سهوا من قلمه ، لأنّ من قال بالحظر في المشتمل على المنفعة كيف يقول بأن لا حكم فيما لا يشتمل على المنفعة وإنّما يلزمه بطريق الأولوية القول بالحظر.
(١) قال ليس عندنا مباح عقلي وهذا الفاضل يقول بوجود مباح عقلي.
(٢) ما يظهر من المصنّف أنّ ما فعله الفاضل الجواد شيء ابتكره هو ولم يسبقه غيره إليه ، بل تبعه بعض بعده وانّه غفلة صدرت منه ليس كذلك ، بل هو رحمهالله كشيخه البهائي وغيره تبعوا السّابقين. قال العضدي : قد قسّم المعتزلة الأفعال الاختيارية الى ما لا يقضي العقل فيها لحسن ولا قبح ولهم فيها ثلاثة مذاهب الحظر والإباحة والوقف ، وهو ينقسم الى الإقسام الخمسة المشهورة انتهى ، ومثله عن العلّامة والآمدي وغيرهما ، بل قد يستظهر كونه محل اتفاق المخالف والمؤالف وليس فيما ذكروه غفلة ، ولا يرد عليهم ما أورده من التّناقض كما ستعرف ان شاء الله تعالى. كما أفاد ملا محمد تقي الغروي في حاشيته.
(٣) وقد ردّ هذه الغفلة في «الفصول» ص ٣٤٦ ، واعتبر بأن ذلك الرّأي لم ينفرد به الشّارح الجواد ، بل هو متداول بين القوم.