العاجلة والآجلة ، والإذن من الله تعالى شأنه في التصرّف معلوم عقلا ، لأنّ ما يتصوّر من جانبه من المانع إنّما هو التضرّر ، وهو منتف قطعا كالاستظلال بحائط الغير ، والاستضاءة بنوره ، والتسخّن بناره ، حيث لا يوجب المذكورات ضررا على أحد ، فيكون حسنا ، بمعنى أنّ للفاعل القادر أن يفعله ولا يستحقّ ذمّا.
واحتمال حصول المفسدة في الواقع وإن لم تعلمها كما نشاهد وجودها في بعضها بعد كشف الشّرع ، مثل حرمة الغناء ، والفقّاع الغير المسكر ، وأمثال ذلك ، لا يوجب حصول تزلزل في إدراك العقل ، لأنّ هذا الاحتمال المبحث الذي لا منشأ له ولا أمارة عليه قبل ورود الشّرع ممّا لا يعتدّ به عند العقلاء ، كما ترى إنّهم يلومون من يتحرّز عن الجلوس تحت الحائط المحكم البنيان الذي لا ميل فيه ويلحقون تجويز المضرّة حينئذ بظنّ أصحاب الجنون والسّوداء ، مع أنّ هذا الاحتمال معارض باحتمال المفسدة في ترك الفعل أيضا ، وهو يستلزم التكليف بالمحال ، والمانع هنا أيضا لم يتشبّث إلّا بأنّه تصرّف في ملك الغير بغير إذنه ، فكأنّه نفى احتمال مفسدة أخرى أيضا ، وقد عرفت أنّه فاسد ، مع أنّ حرمة مطلق التصرّف في مآل الغير غير معلوم عقلا ولا نقلا ، وكذلك مطلق الغير حتى الخالق المنزّه عن النّقص والاحتياج (١).
ثمّ إنّ الفاضل الجواد بعد ما استدلّ على مختاره بمثل ما ذكرنا ، قال : لكن لا يبقى شيء هو أنّ الحكم بالحسن فيما نحن فيه لا يجتمع مع فرض أنّه ممّا لا يدرك بالعقل حسنه ولا قبحه.
__________________
(١) وكل هذه الاحتجاجات للمصنّف على مختاره من الإباحة الواقعية ، لم تنهض إلّا بإثبات الإباحة الظّاهرية كما عند صاحب «الفصول» ص ٣٤٨.