ويمكن الجواب عن ذلك : بأنّ العقل لا يدرك الحسن ولا القبح بالنظر إلى خصوصيّاتها (١) ، ويحكم حكما عامّا بالحسن بالنّسبة إلى الجميع.
ويمكن أن يجاب أيضا عن ذلك : بأنّ المراد أنّ العقل لا يدرك حسنها ولا قبحها ابتداء ومجرّدة (٢) عن ملاحظة شيء آخر ، ولا ينافي ذلك حكمه بالحسن عامّا بالنّظر إلى الدليل فتأمّل. انتهى.
أقول : والغفلة (٣) التي حصلت أوّلا : هو الذي أورد عليه هذا الإشكال وتفطّن له ، لكنّ الجوابين اللّذين ذكرهما (٤) لا ينفعانه في شيء لإمكان أن يقال : شمّ الورد منفعة مأذون فيها ، وكلّ ما هو كذلك فحسن ، يعني لا حرج في فعله ولا يستحقّ به الذمّ ، فهو حسن ، فقد علم حسنه بالخصوص من ذلك.
وأمّا الجواب الثاني : فيظهر بطلانه ممّا مرّ (٥) من عدم انحصار مدركات العقل في الضروريّات (٦).
وقد يوجّه كلامه : بأنّ مراده أنّ النّزاع فيما لا يدرك العقل حسنه أو قبحه بدليل
__________________
(١) فلا يحكم العقل في كل واحد من الأشياء غير الضّروريّة بشيء في خصوص كل واحد ، بل يحكم حكما عاما يندرج تمامها فيه ، وببيان آخر أي لا يحكم العقل في خصوص شمّ الورد بشيء ، بل يحكم أنّ كل ما فيه منفعة ولم يظهر منه ضرر ولا ضرار يجوز ويحق الاتيان به ومن هنا يظهر معنى كلامه من حكم الخاص والعام.
(٢) فيحكم من دون نظر واجتهاد كالمستقلّات العقلية الضّرورية.
(٣) وأشار صاحب «الفصول» الى كلام الفاضل الجواد في هذا.
(٤) الشّارح الجواد.
(٥) أي من حكمه بأنّ حكم العقل مستقل على قسمين ضروري ونظري فالانحصار بالابتدائي الذي هو الضروري لا وجه له.
(٦) وردّ المصنّف على الجوابين فيه كلام في «الفصول» ص ٣٤٩.