وبما ذكرنا ظهر اندفاع ما ربّما يورد هنا من الإشكال من لزوم تسبيع الأحكام لزيادة الإباحة الظّاهرية والحظر الظّاهريّ على الأحكام الخمسة ، إذ أدلّة القائلين بها لا تفيد إلّا الإباحة والحظر ما لم يظهر مفسدة أو رخصة ، فإنّه لا يمكن نفي الاحتمال العقليّ رأسا ، سيّما مع ملاحظة ما ورد في الشّرع من تحريم بعض المنافع الخالي عن المضرّة ، مثل الغناء ، وشرب الفقّاع الغير المسكر ، ونحوهما. فربّما يكون في الشّيء مفسدة ذاتيّة لا يدرك العقل (١) ، ثمّ يكشف عنه الشّرع ، إذ ذلك إشكال سار في جميع الأحكام ولا اختصاص له فيما نحن فيه ، بل بجميع المطالب المستدلّ عليها ، والمبيح والحاظر لا يريدان إثبات الإباحة والحظر الظّاهريّتين ، بل يثبتان الإباحة والحظر النّفس الأمريّتين كما هو مقتضى دليلهما.
نعم ، قد يتّضح هذا الإشكال (٢) إذا استدلّ على هذا المطلب بمثل قولهم عليهمالسلام : «كل شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» (٣).
ويمكن أن يقال فيه أيضا : إنّه مباح لمن لم يطّلع على النهي في نفس الأمر (٤) ، وحرام على من اطّلع عليه في نفس الأمر ، لا أنّه لغير المطّلع مباح ظاهرا وحرام
__________________
محمد تقي الهروي : يعني أنّ جميع ما ذكر من الإشكال والأجوبة المذكورة عنه ناشئ عن الغفلة التي صدرت عن الفاضل الجواد رحمهالله ، وقد عرفت انّه لا غفلة هنا لا منه ولا من غيره.
(١) كذا في المصنّف.
(٢) إشكال لزوم التّسبيع.
(٣) «الوسائل» ٢٧ / ١٧٤ حديث ٣٣٥٣٠ ، وفيه وجوه واحتمالات ذكره الشيخ الحرّ العاملي رحمهالله.
(٤) بل يمكن أن لا يسمّى محظور إلّا بعد أن يكون أعلم حظره أو دلّ عليه.