واقعا ، نظير ذلك ما بيّنا في الواجب المشروط بالنّسبة الى الواجد للشرط والفاقد ، كما بيّنا مرارا.
ثمّ قد ظهر لك أنّ الأقوال في المسألة أربعة :
الإباحة ، وهو مذهب الأكثرين من أصحابنا ، والمعتزلة البصريّة (١).
والحظر ، وهو مذهب بعض أصحابنا ، والمعتزلة البغدادية (٢).
والوقف ، وهو مذهب المفيد من أصحابنا ، وبعض العامّة (٣).
__________________
(١) وذهب أكثر المتكلّمين من البصريّين وهي المحكيّ عن أبي الحسن وكثير من الفقهاء على الإباحة كما ذكر الشيخ في «العدّة» ٢ / ٧٤٢ ، وكما عن «المعتمد» ٢ / ٣١٥ ، و «التبصرة» ٥٣٢ ، و «اللّمع» ١١٦ وشرحه ٢ / ٩٧٧ ، واختاره السيّد المرتضى في «الذريعة» ٢ / ٨٠٩.
(٢) وذهب كثير من البغداديّين ، وطائفة من أصحابنا الإمامية الى أنّها على الحظر ، ووافقهم على ذلك جماعة من الفقهاء ، كما في نقل الشيخ في «العدة» ٢ / ٧٤٢ ، وكما عن «المعتمد» و «التبصرة» و «اللّمع» و «شرحه».
(٣) وذهب كثير من الناس الى أنّها على الوقف كما عن «العدة» ، وكذا في «المعتمد» و «التبصرة» و «اللمع» و «شرحه» ، وأضاف الشيخ في «العدة» ويجوّز كل واحد من الأمرين فيه وينتظر ورود السّمع بواحد منهما ، وهذا المذهب كان ينصره شيخنا أبو عبد الله رحمهالله ، وهو الذي يقوى في نفسي.
وبالرّجوع إلى «التذكرة بأصول الفقه» للشيخ المفيد ص ٤٣ من سلسلة مؤلّفاته المطبوعة نجده يقول فيه : فأمّا القول في الحظر والإباحة فهو أنّ العقول لا مجال لها في العلم بإباحة ما يجوز ورود السّمع فيها بإباحته ، ولا يحظر ما يجوز وروده فيها بحظره ، ولكن العقل لم ينفكّ قطّ من السّمع [باباحته وحظره] ولو أجبر الله تعالى العقلاء حالا واحدة من سمع لكان قد اضطرّهم الى مواقعة ما يقبح في عقولهم من استباحة ما لا سبيل لهم الى العلم باباحته من حظره ، وألجأهم الى الحيرة التي لا تليق بحكمته.