البقاء على مقتضى البراءة الأصليّة وإن لم يحكم العقل بالرّخصة فيه ، أو نقول : يتمّ الحكم بالإباحة حينئذ بالشرع ، مثل قوله عليهالسلام : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» (١). كما أنّه يمكن في القسم الأوّل أيضا إثبات الإباحة بالشرع بأمثال ذلك أيضا.
وما ذكرناه من الحصر في إثباته بالعقل إنّما كان مضافا الى أصل البراءة لا إلى الشّرع (٢) ، ومن ذلك يظهر حال ما ورد فيه نصّان متعارضان متساقطان ، وسيجيء الكلام في تفصيل المقامات.
__________________
(١) «من لا يحضره الفقيه» ١ / ٣١٧ الحديث ٩٣٧ ، «الوسائل» ٢٧ / ١٧٣ الحديث ٣٣٥٣٠.
(٢) حيث قال آنفا : فالإباحة في القسم الأوّل إنّما يثبت بالعقل. ومراده كما عن الملا محمد تقي الهروي في حاشيته أنّ مثل التّكفير وإن كان لا نثبت إباحته إلّا بالشّرع نحو كل شيء مطلق ... إلخ ، إلّا أنّ مثل شمّ الورد نثبت اباحته بالعقل والشّرع جميعا ، وعليه فما مرّ من حصر إثبات إباحته في العقل يكون إضافيا بالنّسبة الى أصل البراءة ، إذ أصل البراءة يعني أنّ الإباحة في القسم الأوّل كشمّ الورد لا تثبت بأصل البراءة إذ أصل البراءة إنّما ينفي حرمته المحتملة النّاشئة من احتمال المفسدة الكامنة لا أنّها لا تثبت بالشّرع ، بل إنّها كما تثبت بالعقل تثبت بالنّص أيضا ، وقد تلخص من كلامه أنّ المنافع وغيرها كشمّ الورد والتّكفير سيّان في أنّ أصل البراءة ينفي الحرمة عن كل منهما ولا يثبت به الإباحة في شيء منهما ، ويفترقان في أنّ إباحة الأوّل تثبت بالعقل والشرع وإباحة الثاني تثبت بالشرع فقط. هذا ولا يكفي انّ الإباحة التي تثبت بالعقل في المنافع هي الإباحة الواقعية عنده كما صرّح به في القانون السّابق ، وأمّا الإباحة التي تثبت بمثل قوله عليهالسلام : كل شيء مطلق فهي الإباحة الظاهرية العملية كما سيأتي في كلامه أيضا ، فلم يتوافقا على شيء واحد إلّا أنّ يحمل الحديث المذكور أيضا على الإباحة الواقعية كما احتمله في القانون السّابق حيث قال : ويمكن أن يقال فيه أيضا ... الخ ، وهو بعيد جدا مخالف لما قاله هو في بيانه هناك.