ثمّ إنّ المحقّق رحمهالله بعد اختياره حجّية أصل البراءة في كتاب الأصول مطلقا (١) ، خصّها في «المعتبر» بما يعمّ البلوى (٢).
وتوجيهه : أنّ العادة تقتضي بأنّه لو كان حكم من الشّارع فيما يعمّ به البلوى لنقل إلينا ، فيحصل الظنّ من عدم الوجدان بعدم الوجود ، بخلاف غير ما يعمّ به البلوى.
وهذا الكلام إنّما يناسب زمان الغيبة وما يشبهها ، كما هو المهمّ المحتاج إليه لنا ، لا أوّل زمان صدور الشّرع.
وتوجيهه على مذهبنا من صدور جميع الأحكام عن النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وكونها مخزونة عند الأئمّة عليهمالسلام ، وأنّه لم يبق شيء إلّا وقد صدر حكمه عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم.
أنّ مراد المحقّق ، أنّ فيما يعمّ به البلوى يحصل الظنّ بأنّ الحكم الذي صدر فيه عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم إنّما هو الإباحة إمّا بتصريحه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولكنّه لكونه غير محتاج إليه لموافقته للأصل لم ينقل إلينا. وإمّا بتقريره ، لما هو مقتضى الأصل ، بخلاف ما لا يعمّ به البلوى ، فإنّه يحتمل أن يكون حكمه الصّادر عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم مخالفا للأصل ، ولكن لم يصل إلينا ، لعدم توفّر الدّواعي ، وأنت خبير بأنّه إنّما يحسن نكتة وعلّة
__________________
(١) راجع «معارج الأصول» ص ٢١٢ ونقل فيه أيضا قولا بوجوب الاحتياط مطلقا.
(٢) فقوله : بأنّه حجة فيما يعمّ به البلوى خاصة ، وعبارته في مقدمة كتابه «المعتبر» غير ملائمة على الحكاية إذ قسّم في الفصل الثالث منها الاستصحاب الى أقسام ثلاثة : استصحاب حال العقل ، وفسّره بالبراءة الأصلية ، واستصحاب حال الشّرع ، وان يقال عدم الدّليل على كذا فيجب انتفاؤه ، وذكر هذا بين القسمين الأوّلين. وقال بعد ذكره : وهذا يصحّ فيما يعلم انّه لو كان هناك دليل لظفر به أمّا لا مع ذلك فيجب التّوقف ولا يكون ذلك الاستدلال حجّة. وقد أفاد حول هذا المطلب صاحب «الفصول» ص ٣٥٢ يمكن لك مراجعته.