للحكم بالإباحة الشرعيّة وعدمه بالخصوص ، ولكنّه لا ينافي ذلك كون حكم ما لم يعلم حكمه من الشّارع بالخصوص هو البراءة ، للزوم التكليف بما لا يطاق لولاه ، وأنّ المثمر في البيان هو البيان الواصل الى المكلّف ، لا مطلق البيان.
ومقتضى أنّ التكليف لا يصحّ إلّا بعد وصول البيان ، لا يتفاوت فيه الأمران.
وبالجملة ، الحقّ والتّحقيق جواز التمسّك بأصل البراءة فيما لم يبلغ إلينا فيه نصّ ، سواء كان ممّا يحتمل الوجوب أو الحرمة ، واقتصر الأخباريّون على ما يحتمل الوجوب ، وغير الحرمة ، وحكموا بلزوم التوقّف في غيره (١).
ومرادنا بالنصّ هو الدّليل الشّرعيّ وإن كان هو العقل القاطع كما مرّ في البحث الأوّل ، وإن فرض قلّة انفكاكه عن النصّ الشّرعيّ ، وحجّية أصل البراءة هو مذهب المجتهدين.
وما يتراءى في الكتب الفقهيّة مثل كتب الفاضلين وغيرهما من التوقّف في الفتوى ، ويقولون : فيه توقّف ، أو تردّد ، أو نحو ذلك ، فليس قولا بوجوب التوقّف منهم أو العمل عليه ، بل مرادهم بيان تعارض الأمارات من الطّرفين من حيث بيان الحكم في المسألة بالخصوص ، ولم يترجّح عندهم أحد الطرفين ، فيظهرون أنّه محلّ التوقّف عندهم من حيث خصوص المسألة بالنظر الى الدّليل الخاصّ ، وإن كان فتواهم وعملهم بعد ذلك الرّجوع الى الأصل والتخيير. وسنشير بعد ذلك الى أنّ أخبار التوقّف أيضا تحمل على ذلك ، أي على التوقّف في الخصوص.
__________________
(١) فالأخباريون فيما لم يصلنا فيه نص على أربعة مذاهب : التّوقف وهو المشهور بينهم ، والحرمة ظاهرا ، والحرمة واقعا ، ووجوب الاحتياط ، والقول بالتّحريم يحتمل أن المقصود منه يكون قبل ورود الشرع فيكون غير مختص بالأخباري. وهذا وقد ألحق الأخباريّون بما لا نصّ فيه ما قد تعارض فيه النّصان ، والأفراد غير ظاهرة الفرديّة.