فالمجتهدون والأخباريّون كلاهما متوقّفون في الحكم من حيث الخصوص ، ثمّ يختلفون في حكم الواقعة بعد ذلك من حيث إنّها مجهول الحكم.
فذهب المجتهدون الى البراءة الأصليّة ، والأخباريّون الى لزوم الاحتياط.
وكيف كان فالأقوى والأظهر هو العمل على البراءة الأصليّة ، وادّعى عليه الإجماع جماعة ، منهم الصدوق رحمهالله في «اعتقاداته» (١) في باب الحظر والإباحة في الأشياء المطلقة قال : اعتقادنا في ذلك أنّ الاشياء كلّها مطلقة حتّى يرد في شيء منها نهي ، فيظهر منه انّه دين الإماميّة.
وعن المحقّق رحمهالله أنّه قال : إنّ أهل الشّرائع كافّة لا يخطّئون من بادر الى تناول شيء من المشتبهات ، سواء علم الإذن فيها من الشّرع أو لم يعلم ، ولا يوجبون عليه عند تناول شيء من المأكل أن يعلم التّنصيص على إباحته ، ويعذرونه في كثير من المحرّمات إذا تناولها من غير علم ، ولو كانت محظورة لأسرعوا الى تخطئته حتّى يعلم الإذن. انتهى (٢).
وأيضا يحكم العقل بعدم التكليف إلّا بعد البيان ، ويدلّ عليه الكتاب والسنّة.
أمّا الكتاب فقوله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(٣). والمتبادر منه أنّا لا نعذّبهم على ما يفعلون حتّى تبلغهم الأحكام ببعث الرّسول (٤).
وبعد ملاحظة ما سبق في البحث الأوّل ، يظهر أنّ المراد ، الأفعال التي لا حكم
__________________
(١) ص ٦٦ كما في النسخة المصوّرة عن الحجرية والمطبوع معها الباب الحادي عشر.
(٢) في «المعارج» ص ٢٠٥ ، وفيه لفظ المشتهيات بدل المشتبهات كما في النسخة المحققة التي بين يدي والمطبوعة حديثا. نعم أنا لا أقول باشتباه المصنّف.
(٣) الإسراء : ١٥.
(٤) كما عن الوحيد في رسالة أصالة البراءة «من الرسائل الأصولية» ص ٣٥٣.