الحرام جزما ، لا بمعنى الحكم بأنّه الحلال الواقعي حتّى يلزم التحكّم ، بل بمعنى التخيير في استعمال أيّ منهما أراد من حيث إنّه مجهول الحرمة لعدم المرجّح ، ونحن نقول بوجوب إبقاء ما هو مساو للحرام الواقعيّ أو أزيد منه.
فإن قلت : إذا جعلت المعيار عدم العلم بارتكاب الحرام الواقعيّ ، فلم لا تقول بجواز ارتكاب الجميع على التدريج ، لعدم حصول العلم في كلّ مرتبة من الاستعمالات ، والذي يوجب حصول العلم بارتكاب الحرام إنّما هو إذا ارتكب الجميع دفعة.
قلت : أوّلا : نقول به إذ لا دليل عقلا وشرعا يدلّ على الحرمة والعقاب ، ولا إجماع على بطلانه ، والقائل به موجود كما سنشير إليه.
وثانيا : نقول : كما أنّ ارتكاب الحرام الواقعيّ المتيقّن حرام ، فتحصيل اليقين بارتكاب الحرام أيضا حرام ، وتحريمه حينئذ من هذه الجهة ، فارتكاب الفرد الآخر الذي يوجب العلم بارتكاب الحرام الواقعيّ ، مقدّمة لتحصيل اليقين بارتكابه ، ومقدّمة الحرام حرام ، ويمكن منع المقدّمتين (١).
نعم ، يثبت اشتغال الذّمّة بحق الغير ، وحصول النجاسة بعد استعمال الجميع ، ويترتّب عليهما آثارهما حينئذ ، وإن لم يحصل العقاب بالارتكاب ، فليتأمّل.
وكيف كان ، فلا دليل على حرمة ارتكاب ما لا يحصل العلم معه بالحرام ، لعموم الأدلّة المتقدّمة.
وأمّا التمسّك بأنّ الاجتناب عن الحرام والنجس واجب ولا يتمّ إلّا بالاجتناب
__________________
(١) أي حرمة تحصيل اليقين بارتكاب الحرام إذا لم يعلم بارتكاب الحرام بنفس ذلك العقل بخصوصه ، وحرمة مقدمة الحرام كما في الحاشية منه.