الغاية لقوله تعالى : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (١).
ومقتضى مفهوم الغاية أنّه مع بعث الرسول وإقامة الحجّة يستحقّ العقاب ، وهذا ينافي إطلاق دليل الأصل المقتضي للترخيص في المخالفة القطعيّة.
وبذلك نصل إلى نفس النتائج المشار إليها سابقاً على تقدير استحالة الترخيص في المخالفة القطعيّة ، فلا تجري البراءة في كلا الطرفين ؛ لأنّ ذلك ينافي التكليف المعلوم بالإجمال ولو عقلائيّاً ، ولا تجري في أحدهما دون الآخر ؛ إذ لا مبرّر لترجيح أحدهما على الآخر ، مع أنّ نسبتهما إلى دليل الأصل واحدة.
وقد اتّضح من مجموع ما تقدّم : أنّ النتيجة النهائية بناءً على مسلك حقّ الطاعة حرمةالمخالفة القطعيّة ووجوب الموافقة القطعيّة معاً ، وبناءً على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيانٍ حرمة المخالفة القطعيّة وعدم وجوب الموافقة القطعيّة.
وبما ذكرناه على المسلك المختار يُعرف أنّ القاعدة العمليّة الثانويّة ـ وهي البراءة الشرعيّة ـ تسقط في موارد العلم الإجماليّ ، وتوجد قاعدة عمليّة ثالثة تطابق مفاد القاعدة العمليّة الاولى ، ونسمّي هذه القاعدة الثالثة بأصالة الاشتغال في موارد العلم الإجماليّ ، أو بقاعدة منجّزيّة العلم الإجماليّ.
تحديد أركان هذه القاعدة :
نستطيع أن نستخلص ممّا تقدّم : أنّ قاعدة منجّزيّة العلم الإجماليّ لها عدّة أركان :
الأوّل : وجود العلم بالجامع ، إذ لولا العلم بالجامع لكانت الشبهة في كلّ
__________________
(١) الإسراء : ١٥