الإشارات بقوله : « أن تكون حقيقته متمثلة عند المدرك » ، وفسّر العناية بقوله : « تمثل النظام الكلي في العلم السابق . . . » (١٩) .
فلنرجع الى ما كنّا فيه فنقول :
إنّ ذلك البعض المعترض إن أراد من قوله : إنّ نفس الأمر عبارة عن حقيقة الأشياء بحسب ذواتها ، مع قطع النظر عن الاُمور الخارجة عنها ، ان قاطبة الأشياء لها وجود في نفس الأمر ، بمعنى ان حقائقها العلمية ، أي أعيانها الثابتة بحسب ذواتها ، مع قطع النظر عن الاُمور الخارجة عنها ، كائنة في صقع الذات الأحدية ، فله وجه وجيه ، وإلّا فلا يخلو من دغدغة .
ثم أفاد صائن الدين في تمهيد القواعد في بيان نفس الأمر على طريقة المحققين من أهل التوحيد والعرفان بقوله : نفس الأمر عبارة عمّا ثبت فيه الصور والمعاني الحقّة أعني العالم الأعلى ـ الذي هو عالم المجرّدات ، ويؤيّده إطلاق عالم الأمر على هذا العالم ،
وذلك لأن كل ما هو حق وصدق من المعاني والصور لا بد وأن يكون له مطابَق ـ بالفتح ـ في ذلك ، كما يلوح تحقيقه من كلام معلم المشّائين أرسطو ، في ( الميمر الثاني ) من كتابه في العلم الإلهي ، المسمّى ( باثولوجيا ) بعد فراغه عن أن العالم الأعلى هو الحيّ التامّ الذي فيه جميع الأشياء ، وأن هذا العالم الحسّي كالصنم ، والاُنموذج لذلك العالم ، من أنّ فعل الحق هو العقل الأول ، فلذلك صار له من القوة ما ليس لغيره ، وأنّه ليس جوهر من الجواهر التي بعد العقل الأول إلّا وهو من فعل العقل الأول .
وإذا كان هذا كذا قلنا : إنّ الأشياء كلّها هي العقل ، والعقل هو الأشياء ، وإنما صار العقل هو جميع الأشياء ، لأنّ فيه جميع كلّيات الأشياء ، وصفاتها ، وصورها وجميع الأشياء التي كانت وتكون مطابقة لما في العقل الأوّل ، كما ان معارفنا التي في نفوسنا مطابقة للأعيان التي في الوجود ، ولا يمكن غير ذلك ، ولو جوّزنا ذلك ـ أعني أن يكون بين تلك الصور التي في نفوسنا وبين الصور التي في الوجود تباين أو اختلاف ـ ما عرفنا تلك الصور ولا أدركنا حقائقها ، لأن حقيقة الشيء ما هو به هو ، وإذا لم يكن ، فلا محالة غيره ، وغير الشيء نقيضه ، فإذن جميع ما تدركه النفوس وتتصوره من أعيان
____________________________
(١٩) تاسع سادس الإشارات : ١٤٨ .