المتمدنة يسعون في انتشار لسانهم في العالم ، حتى تصير لغتهم لغة عالمية ، إعمالا للسيادة ، وتثبيتا للعظمة.
فكأنه ـ صلىاللهعليهوآله ـ يلاحظ جانب الإسلام وأنه يعلو ولا يعلى عليه ، وأن لغة القرآن لا بد وأن تنتشر ، وتعم العالم ، لأن القرآن كتاب للعالم ، فعظمة القرآن ، وعموم دعوته ، وعظمة النبي الأقدس ، ورسالته العالمية ، تقضي أن يكتب إليهم بلغة القرآن
فعلى ملوك العالم والعالم البشري أن يتعلموا لسانه المقدس. ولغته السامية ، لغة القرآن المجيد ، تثبيتا لهذا المرمى العظيم ، والغرض العالي» (٢٩)
الثانية : وبعد ، فإننا لا ننكر أن يكون زيد بن ثابت قد تعلم شيئا من العبرانية أو السريانية ، قليلا كان ذلك أو كثيرا. ولكننا نشك في أن يكون النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ هو الذي طلب منه ذلك ، ونشك كذلك في أن يكون قد كتب له ـ صلىاللهعليهوآله ـ بهذه اللغات ، أو ترجم له شيئا من الكتب التي أتته ، فإن الروايات المتقدمة لا تكفي لإثبات ذلك على الإطلاق. بل قدمنا ما يوجب ضعفها ووهنها ولا بد لإثبات ذلك من اعتماد أدلة أخرى ، وشواهد أخرى ، لا نراها متوفرة فيما بأيدينا ، من نصوص ومصادر ، بل إن ما بأيدينا يؤيد إن لم يكن يدل على خلاف ذلك ، كما المحنا إليه.
علم زيد بالفرائض :
وقد روي أن عمر وعثمان ما كانا يقدمان على زيد في الفرائض أحدا.
وقد خطب عمر الناس ، فكان مما قال : «ومن أراد أن يسأل عن» الفرائض فليأت زيد بن ثابت» (٣٠)
وادعوا : «أنه كان أعلم أصحاب رسول الله ـ صلىاللهعليهوآله ـ بالفرائض
__________________
(٢٩) مكاتيب الرسول ١ : ١٦ ـ ١٧
(٣٠) راجع : مستدرك الحاكم ٣ : ٢٧٢ وسنن البيهقي ٦ : ٢١٠ وطبقات ابن سعد ٢ : قسم ٢ : ١١٥ ، ومجمع الزوائد ١ : ١٣٥ والغدير ج ٦ : ١٩١ ـ ١٩٢ ، وراجع ٥ : ٣٦١ و ٨ : ٦٤ ففيه مصادر أخرى.