بعدم فعلية المجعول ، ولكنّ التصديق بذلك هنا خلاف المفروض ؛ لأنّ المفروض قيام الدليل العقلي القطعي على ثبوت تمام الملاك للحكم ، فكيف يعقل التصديق بإناطة الحكم بقيدٍ آخر؟
وبكلمةٍ موجزة : أنّ المكلّف إذا كان قاطعاً عقلاً بثبوت تمام الملاك للحكم فلا يمكن أن يصدِّق بإناطته بغير ما قطع عقلاً بثبوته ، وإذا كان قاطعاً عقلاً بثبوت الملاك للحكم ، ولكن على نحوٍ لا يجزم بأ نّه ملاك تام ، ويحتمل دخل بعض القيود فيه ، فليس هذا القطع حجّةً في نفسه بلاحاجةٍ إلى بذل عنايةٍ في تحويله من طريقيٍّ إلى موضوعي.
وثانياً : أنّ القطع العقلي لا يؤدّي دائماً إلى ثبوت الحكم ، بل قد يؤدّي إلى نفيه ، من قبيل ما يستدلّ به على استحالة الأمر بالضدين ولو على وجه الترتّب ، فماذا يقال بهذا الشأن؟ وهل يفترض أنّ المولى يجعل الحكم المستحيل في حقّ مَن وصلت إليه الاستحالة بدليلٍ عقليٍّ على الرغم من استحالته؟
فالصحيح إذن : أنّ المنع شرعاً عن حجّية الدليل العقلي القطعي غير معقول ، لا بصورةٍ مباشرةٍ ولا بتحويله من القطع الطريقي إلى الموضوعي.
ولكنّ القائلين بعدم حجّية الدليل العقلي استندوا إلى جملةٍ من الروايات (١) التي ندَّدت بالعمل بالأدلّة العقلية ، وأكّدت على عدم قبول أيّ عملٍ غير مبنيٍّ على الاعتراف بأهل البيت ونحو ذلك من الألسنة.
والصحيح : أنّ الروايات المذكورة لا دلالة فيها على ما يُدّعى ، وإنّما هي بصدد امورٍ اخرى ، فبعضها بصدد المنع من التعويل على الرأي والاستحسان ونحو ذلك من الظنون العقلية ، وبعضها بصدد بيان كون الولاية شرطاً في صحّة العبادة ،
__________________
(١) وسائل الشيعة ٢٧ : ٣٥ ، الباب ٦ من أبواب صفات القاضي.