زيادة وتفصيل :
(ا) ليس من اللازم ـ كما أشرنا (١) ـ أن يكون المفعولان أصلهما المبتدأ والخبر حقيقة ، بل يكفى أن يكون أصلهما كذلك ولو بشىء من التأويل المقبول ، كالشأن فى أفعال التحويل ، وكالشأن فى : «حسب» ؛ مثل : صيرت الفضة خاتما ؛ إذ لا يصح المعنى بقولنا : الفضة خاتم ؛ لأن الخبر هنا ليس المبتدأ فى المعنى ؛ فليست الفضة هى الخاتم ، وليس الخاتم هو الفضة ؛ إلا على تقدير أن هذه الفضة ستئول (٢) إلى خاتم. ومثل : حسبت المرّيخ الزّهرة ؛ إذ لا يقال : المرّيخ الزّهرة ؛ لفساد المعنى كذلك ؛ فليس أحدهما هو الآخر ، إلا على ضرب من التشبيه ، أو نحوه من التأويل السائغ ، المناسب للتعبير. فالأول (أى : التشبيه) قد جعل المفعول الثانى بمنزلة ما أصله الخبر ، وإن لم يكن خبرا حقيقيّا فى أصله.
هذا كلامهم. والواقع أنه لا داعى لهذا التمحل ، والتماس التأويل ؛ إذ يكفى أن يكون فصحاء العرب قد أدخلوا النواسخ على ما أصله المبتدأ والخبر حقيقة ، وعلى ما ليس أصله المبتدأ والخبر ، مما يستقيم معه المعنى.
(ب) ليس من اللازم أن تدخل أفعال هذا الباب القلبية على المبتدأ والخبر مباشرة ؛ فقد تدخل على «أنّ» مع معموليها ، أو : على «أن» مع الفعل وفاعله ؛ فيكون المصدر المؤول سادّا مسد المفعولين (٣) ، مغنيا عنهما. مثل : علمت
__________________
(١) فى رقم ٣ من هامش ص ٣.
(٢) أى : ستتحول وينتهى أمرها فى المستقبل إليه.
(٣) وسنعود للكلام على هذا المصدر عند بحث الحكم الثالث من الأحكام التى تختص بها الأفعال القلبية (فى ص ٤٢) ، والأغلب فى «زعم» وفى «تعلم» بمعنى : «اعلم» دخولهما على «أن» مع معموليها ، أو «أن». والفعل مع فاعله (كما فى رقم ٣ من هامش ص ٦ وفى ١ من هامش ص ٧). والأغلب فى «هب» بمعنى «ظن» عدم دخوله عليهما ، برغم صحته كما سبق (فى رقم ١ من هامش ص ٨).
والأحسن الأخذ بالرأى السهل القائل : إن المصدر المؤول فى هذا الباب يسد مسد المفعولين ، دون الرأى القائل : إنه يسد مسد المفعول الأول ، وأن المفعول الثانى محذوف ، وتقديره : «ثابتا» ، أو ما يشبهه ؛ ففى نحو : وجدت أن الصبر أنفع فى الشدائد ـ يقدرون : وجدت نفع الصبر فى الشدائد ثابتا ... وهذا نوع من التضييق والإطالة لا داعى له.