(ه) الألفاظ الأخرى التى لها الصدارة فى جملتها ؛ مثل «كم» (١). الخبرية ؛ فى نحو : دريت كم كتاب اشتريته. ومثل : «إنّ» وأخواتها ، ما عدا «أنّ» مفتوحة الهمزة ؛ فليس لها الصدارة ؛ نحو : علمت إنك لمنصف (٢) ، ونحو : لا أدرى لعل الله يريد بكم خيرا. والأغلب الفصيح فى : «لعل» هذه أن تكون أداة تعليق للفعل : «أدرى» المبدوء بالهمزة ، أو بحرف آخر من حروف المضارعة (ندرى ـ تدرى ـ يدرى ...).
ومثل : أدوات الشرط الجازمة وغير الجازمة فى نحو : لا أعلم إن كان الغد
__________________
(١) «كم» ، نوعان ، «استفهامية» ؛ وهى : اسم يسأل به عن عدد شىء. وتحتاج لتمييز منصوب فى الغالب ؛ نحو : كم درهما تبرعت به؟ وتدخل فى أدوات التعليق الاستفهامية. «وخبرية» ؛ وهى : اسم يدل على كثرة الشىء ووفرته ، ولها تمييز مجرور فى الغالب ؛ نحو : كم ظالم أهلكه الله بظلمه. و «كم» بنوعيها لها باب خاص فى الجزء الرابع يضم أحكامها المختلفة (ص ٤٢٥ م ١٦٨).
(٢) فى هذا المثال يصح أن تكون أداة التعليق هى : «إن» ، أو «لام الابتداء» ؛ فكلاهما له الصدارة ؛ فيصلح للتعليق. ولا يقال : «لام الابتداء فيه ليس بعدها جملة». ففى هذا القول إغفال لما قرروه من أن موضعها الأصيل هو أول الجملة. فلما شغلته «إنّ» ـ ولها الصدارة أيضا ـ تخلت عنه اللام ، وتأخرت إلى الخبر ؛ منعا للتعارض. على أن هذا من التعليلات المصنوعة التى لا خير فى ترديدها. وحسبنا أن نهتدى إلى ما فى الكلام المأثور من تعليق ، سببه «إن» أو : «لام الابتداء» ، أو : هما معا ؛ فكل هذا صحيح ومريح.
وما يقال فى لام الإبتداء الداخلة على خبر «إن» يقال فى لام الابتداء الداخلة على اسم «إن» ، المتأخر ، أو على معمول خبرها ؛ نحو : حسبت إن فى الصحراء لمناجم ، وعلمت إن «المناجم لكنوزا ممتلئة. ويجب كسر همزة «ان» فى الأمثلة السابقة وأشباهها من كل جملة تجمع بين «إن» و «لام الابتداء». كما سبق فى مواضع كسرها. وسبب ذلك فى رأيهم : أن «لام الابتداء» تصيب الفعل القلى بالتعليق ، وهذا التعليق يقتضى أن تقع بعده فى الغالب جملة ـ كما سبق فى ص ٢٦ ـ. فلما وقعت «إنّ» فى صدر هذه الجملة كسرت وجوبا. فلام الابتداء كانت السبب فى التعليق ، وفى كسر همزة «إن». فإذا لم توجد «لام الابتداء» فلن يكون هناك داع للتعليق ، ولا لكسر همزة «إن» ، فتفتح.
لكن أيتفق هذا مع إدخالهم «إنّ» فى عداد الأدوات التى لها الصدارة ، وتحدث التعليق؟ لا. ومن أجله قال بعض النحاة بحق : يجوز كسر همزة «إن» وفتحها فى المثال السابق عند خلوه من لام الابتداء. فمن اختار الكسر لسبب عنده فله اختياره. ولكن يحب مع الكسر تعليق الفعل القلبى ؛ لما سبق تقريره من اعتبار «إن» مكسورة الهمزة فى عداد أدوات التعليق. ومن اختار الفتح لسبب آخر فله اختياره ، ولا يصح تعليق الفعل القلبى فى هذه الحالة ؛ لعدم وجود أداة التعليق ؛ إذ ليست «أن» مفتوحة الهمزة من أدواته. (راجع ح ١ ص ٤٨٨ م ٥١).
وراجع الصبان ج ٢ باب ظن وأخواتها عند الكلام على أدوات التعليق.