ثالثها ؛ وجوب تأخيره عن عامله ، كالأمثلة السالفة. وقد يوجد فى بعض الأساليب الفصحى ما يوهم أن الفاعل متقدم. والواقع أنه ليس بفاعل فى الرأى الأرجح ؛ ففى مثل : «الخير زاد» ، لا تعرب كلمة : «الخير» فاعلا مقدما ، وإنما هى مبتدأ. وفاعل الفعل بعده ضمير مستتر تقديره : «هو» يعود على الخير ، والجملة الفعلية خبر المبتدأ. وفى مثل : إن ملهوف استعان بك فعاونه ، تعرب كلمة : «ملهوف» فاعلا (١) بفعل محذوف يفسره الفعل بعدها ؛ والتقدير : إن استعان بك ملهوف ـ استعان بك ـ فعاونه. ومثله : إن أحد استغاث بك فأغثه ... وقوله تعالى : (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ) فالفاعل لا يكون متقدما. أما الاسم المتقدم على الفعل فى تلك الأمثلة وأشباهها فقد يعرب حينا ، مبتدأ ، وفاعل الفعل الذى بعده ضمير مستتر يعود على ذلك الاسم ، وقد يعرب فى حالات أخرى فاعلا لفعل محذوف يفسره المذكور بعده (٢) ، أو غير هذا ...
رابعها : أن يتجرد عامله (فعلا كان ، أو شبه فعل) من علامة فى آخره تدل على التثنية أو على الجمع حين يكون الفاعل اسما ظاهرا مثنى أو جمعا ، نحو : طلع النّيران ـ أقبل المهنئون ـ برعت الفتيات فى الحرف المنزلية. فلا يصح فى الأمثلة السابقة وأشباهها أن يتصل بآخر الفعل ألف تثنية ، ولا واو جماعة ، ولا نون نسوة ؛ فلا يقال : طلعا النيران ـ أقبلوا المهنئون ـ برعن
__________________
(١) بيان السبب فى ص ١٤٠.
(٢) هذا رأى فريق كبير من النحاة ، وخاصة البصريين. ويرى غيرهم ـ ولا سيما الكوفيين ـ جواز تقدم الفاعل على عامله. وهم يعربون الاسم الظاهر المرفوع من الأمثلة المذكورة فاعلا.
وبالرغم من الميل للتيسير وتقليل الأقسام رأى البصريين هنا أقرب مسايرة للأصول اللغوية ؛ ذلك أن مهمة «المبتدأ» البلاغية تختلف عن مهمة «الفاعل» ؛ فلا معنى للخلط بينهما ، وإزالة الفوارق التى لها آثارها فى المعنى ـ كما سيجىء إيضاحه مفصلا فى مكانه المناسب من باب «الاشتغال» ص ١٤٠ ـ.
وفى الحكم الثانى والثالث يقول ابن مالك :
وبعد فعل فاعل ، فإن ظهر |
|
فهو ، وإلّا فضمير استتر |
أى : أن الفعل لا بد له ـ فى الأغلب ـ من فاعل بعده ، فإن ظهر فهو المطلوب ، ولا استتار ولا حذف وإلا فهو ضمير مستتر ... أو محذوف إن كان الموضع موضع حذفه.