وإنما انحصر الاختيار فى هذه الثلاثة لأنها ـ دون غيرها ـ أقدر على تحقيق الغاية المعنوية ؛ فالحرف : «من» يدل على أن المضاف بعض المضاف إليه ... ، والحرف : «فى» يدل على أن المضاف إليه يحوى المضاف كما يحوى الظرف المظروف ... والحرف : «اللام» يدل على ملكية المضاف إليه للمضاف ، أو اختصاصه به بنوع من الاختصاص ... فمثال : «من» قول أعرابية لابنها الخارج إلى القتال ، وقد رأته متزينا :
حرام على من يروم انتصارا |
|
ثياب الحرير ، وحلى الذهب |
أى : ثياب من الحرير ، وحلى من الذهب. ومثال «فى» قول الشاعر :
ولقد ظفرت بما أردت من الغنى |
|
بكفاح صبح ، واجتهاد مساء |
أى : بكفاح فى صبح ، واجتهاد فى مساء. ومثال «اللام» قول الشاعر فى وصف الصحف :
لسان البلاد ، ونبض العباد |
|
وكهف الحقوق ، وحرب الجنف (١) |
أى : للبلاد ـ للعباد ـ للحقوق ـ للجنف.
ومن الواجب التنبه لما قلناه من أن الحرف الجارّ ـ فى الأمثلة السالفة وأشباهها ـ لا وجود له فى الحقيقة الواقعة ، ولا فى التقدير الذى يقوم مقامها ، وإنما وجوده مقصور على التخيل ، ومجرد النية. ولهذا لم يعمل الجر فى المضاف إليه ، ـ فى الرأى المشهور ـ ولم يحتاجا معا إلى عامل يتعلقان به ؛ إذ التعلق لا يكون إلا للجار والمجرور الحقيقيين الأصليين. وبالرغم من أن هذا الحرف خيالى محض فإن التصريح به جائز فى أكثر الإضافات المحضة (٢) ...
لكن أيصلح كل حرف من تلك الأحرف الثلاثة لكل إضافة محضة ؛ بحيث يصح أن يحل هذا الحرف محل ذاك ، والعكس ، بغير ضابط ولا اشتراط شىء ، أم أن الأمر فى الاختيار مقيد بشرط خاص ، وخاضع لضابط معين؟.
وبعبارة أخرى : أيباح استعمال كل واحد من الأحرف الثلاثة فى كل إضافة
__________________
(١) الميل عن الحق ـ الظلم.
(٢) سيجىء فى قسم «ا» ص ٢١ بعض الصور التى لا يصح فيها التصريح بحرف الجر