الثانى : وجوب حذف نون المثنى ، ونون جمع المذكر السالم ، وملحقاتهما ـ إن وقع أحدها مضافا مختوما بتلك النون. فمثال حذفها من آخر المثنى المضاف قول الشاعر :
العين تعرف من عينى محدّثها |
|
إن كان من حزبها أو من أعاديها |
ومثال حذفها من آخر الملحق بالمثنى (١) قول الشاعر :
بدت الحقيقة غير خاف أمرها |
|
واثنا (٢) علىّ يشهدان بما بدا |
ومثال حذفها من جمع المذكر : الجنود حارسو الوطن ، باذلو أرواحهم
__________________
ـ وثانيها : جره بالإضافة ، وثالثها : جره بالتبعية لمتبوع مجرور ، كأن يكون التابع نعتا ، أو : معطوفا ، أو : توكيدا ، أو بدلا ، والمتبوع فى كل تلك الحالات مجرور ؛ فيجب جر التابع محاكاة له.
وهناك سببان آخران للجر ؛ أحدهما الجر على : «التوهم» ؛ ومن صواب الرأى إهماله ، وعدم الاعتداد به (كما قلنا فى ج ١ ص ٦٠٩ م ٤٩ حيث توضيحه ، وتفصيل الكلام عليه).
والآخر الجر على : «المجاورة» ؛ والواجب التشدد فى إغفاله ، وعدم الأخذ به مطلقا. (كما أشرنا فى الموضع السابق وفى ج ٢ م ٨٢ ص ٣٢٣ وص ٤٠١ م ٨٩). أما الداعى لاتخاذه سببا للجر فورود أمثلة قليلة جدا ، وبعضها مشكوك فيه ـ ، قد اشتملت على جر الاسم من غير سبب ظاهر لجره ، إلا مجاورته لاسم مجرور قبله مباشرة ؛ منها : (هذا جحر ضبّ خرب) ، بجر كلمة : «خرب» ، مع أنها صفة «لجحر» ولا تصلح صفة «لضب» ؛ لأن الضب لا يوصف بأنه خرب ، ومنها :
«يا صاح بلغ ذوى الزوجات كلّهم ...» بجر كلمة : «كل» ، مع أنها توكيد لكلمة : «ذوى» المنصوبة ؛ إذ لو كانت توكيدا لكلمة : «الزوجات» لقال كلهن. وقد تأول النحاة المثال الأول بأن أصله : هذا جحر ضبّ خرب الجحر منه ، أو خرب جحره ، ثم حذف ما حذف ، وبقى ما بقى ، واشتد الجدل فى نوع المحذوف وصحة الحذف وعدم صحته ، على الوجه المبين فى المطولات (ومنها همع الهوامع ج ٢ ص ٥٥) وقالوا فى المثال الثانى إنه خطأ أو ضرورة.
واتفق كثير من أئمة النحاة على أن الجر بالمجاورة ضعيف ، أو ضعيف جدا. وجاء فى «المحتسب» لابن جنى ـ ج ٢ ص ٢٩٧ ـ ما نصه : (إن الخفض بالجوار ـ أى : بالمجاورة ـ فى غاية الشذوذ).» اه بل جاء فى كتاب «مجمع البيان ، لعلوم القرآن» ـ ج ٣ ص ٣٣٥ ـ ما نصه : (إن المحققين من النحويين نفوا أن يكون الإعراب بالمجاورة جائزا فى كلامهم ...). اه ، أى : فى كلام العرب ؛ وعلى هذا لا يصح القياس عليه ، ولا يستعمل إلا فى المسموع (كما جاء فى خزانة الأدب ، للبغدادى ، ج ٢ ص ٣٢٤).
(١) من الملحق بالمثنى : «اثنان» و «اثنتان» وقد سبق تفصيل الكلام على المثنى وملحقاته فى ج ١ ص ٧٦ م ٩.
(٢) أى : عيناه ، أو : صاحباه.