وفى هذه الحالات يكون حرف النداء إما داخلا على منادى محذوف ، مناسب للمعنى ؛ فيقال فى الآية : يا رب ، أو يا أصحاب ... أو نحوهما ، وهذا عند من يجيز حذف المنادى ـ وإما اعتباره حرف تنبيه عند من لا يجيز حذف المنادى. والرأيان مقبولان ؛ ولكن الثانى أولى ؛ لصلاحه لكل الحالات ، ولو لم تستوف الشرط الآتى الذى يتمسك به كثير من النحاة ، وهو : عدم حذف المنادى قبل الفعل الذى دخل عليه حرف النداء إلا إذا كان الفعل للأمر ، أو للدعاء ، أو صيغة «حبذا». فمثاله قبل الأمر قراءة من قرأ قوله تعالى : (أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ...) ، وقبل الدّعاء قول الشاعر :
ألا يا اسلمى يا هند ، هند بنى بدر |
|
إذا كان حىّ قاعدا آخر الدهر |
وقبل «حبذا» ـ غير مثالها السابق ـ قول الشاعر :
يا حبذا النيل على ضوء القمر |
|
وحبذا المساء فيه والسّحر |
فإن لم يتحقق الشرط عند المتمسكين به فلا منادى محذوف ، ولا نداء ، ويكون الحرف المذكور هو للتنبيه.
(د) يعتبر النحاة حرف النداء مع المنادى جملة فعلية إنشائية للطلب ؛ برغم أنها قبل النداء خبرية ، فهى تتحول معه إلى إنشاء طلبى جملته فعلية. فالأصل فى مثل : يا صالح ، هو : أنادى أو أدعو صالحا ... حذف الفعل مع فاعله الضمير المستتر ، وناب عنهما حرف النداء (١) ، وبقى المفعول به ، وصار منادى واجب الذكر ـ غالبا ـ وقيل : إن المحذوف هو الفعل وحده ، وناب عنه حرف النداء ، واستتر الفاعل فى حرف النداء. وقيل غير هذا ...
ولا قيمة للخلاف فى أصل الجملة الندائية ؛ فالذى يعنينا هو أنها صارت فعلية تفيد
__________________
(١) ولهذا يعتبر حرف النداء من حروف المعانى التى ينوب كل منها عن جملة محذوفة ، يذكر بدلا منها ... فحرف النداء ينوب عن جملة : (أنادى*ء أو : أدعو*) وحرف الاستفهام ينوب عن جملة (أستفهم*) وحرف العطف ينوب عن جملة (أعطف* ...) وهكذا.
ثم انظر رقم ٤ من هامش ص ٨ وقد سبق إيضاح لحروف المعانى. فى صدر الجزء الأول (م ٥) وفى بابى : «الظرف وحروف الجر» من الجزء الثانى.
هذا ، يولا يصح فى الجملة الندائية أن تقع خبرا ، فقد قال السيوطى فى الهمع (ج ١ ص ٩٦) ما نصه : «لا يسوع الإخبار بجملة ندائية ، نحو : زيد يا أخاه ، ولا مصدرة بلكن ، أو : بل ، أو : حتى. بالإجماع فى كل ذلك) اه.