ترك طلب ما عند الله تعالى على وجه الترفع عنه على سبيل الانكار وهذا كفر (فلم يتق او استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم الجنة فلم يتق) ايضا لانه اما ان يكون ذلك على وجه يؤديه الى انكار النعيم فيكون كافرا ومنه قول يزيد لعنه الله لا خبر جاء ولا وحي نزل وقول اللعين الاخر لا خبر جاء ولا وحي نزل ومعلوم ان هذا يعود الى الوجه الاول من معنى الاستغناء واما ان يكون ذلك سفها وشغلا باللذة المحرمة العاجلة عن ذلك النعيم كما هو الحال في الفسقة (فيكون الاستغناء مستلزما لعدم الاتقاء المقابل للاتقاء) فعدم الاتقاء ليس هو نفس الاستغناء بالشهوات بل الاستغناء ملزومه فيكون من قبيل الملحق بالطباق فهو نظير اشداء على الكفار رحماء بينهم وهذا هو المراد بقوله (ففي هذا المثال تنبيه على ان المقابلة قد تركب من الطباق وقد تركب مما هو ملحق بالطباق لما مر من ان مثل مقابلة الاتقاء والاستغناء من قبيل الملحق بالطباق) وهو الجمع بين معنيين يتعلق احدهما بما يقابل الاخر نوع تعلق (مثل مقابلة الشدة والرحمة) حسبما مر بيانه آنفا.
(وزاد السكاكي في تعريف المقابلة قيدا آخر) فلا تحصيل المقابلة عنده الا به (حيث قال هي) اي المقابلة (ان تجمع شيئين متوافقين او أكثر وضديهما) أو اضدادها (وإذا شرط ههنا أي فيما بين المتوافقين) أو المتوافقات (أمر شرط ثمة أي فيما بين الضدين او الاضداد ضده اي ضد ذلك الامر كهاتين الايتين) المتقدمتين (فانه لما جعل التيسير مشتركا بين الاعطاء والاتقاء والتصديق جعل ضده اي ضد التيسير وهو التعسير المعبر عنه بقوله (لِلْعُسْرى) مشتركا بين اضدادها أي اضداد تلك) الامور الثلاثة (المذكورات وهي) اي الاضداد (البخل والاستغناء