لها نحو تأثير في الفعل ، غير أنها مقارنة لمحلّه ، فتعلّقها وعدم تعلّقها إنما يفيد في صحة إطلاق اللّفظ دون التّغاير في نفس الفعل ، وكونه أثرا للقدرة مع أنّ البديهيّ هو الثّاني ، وبالجملة من أنصف من نفسه علم الفرق بين الحركتين ، بأنّ القدرة مؤثرة في الأولى دون الأخرى ، وإثبات القدرة بدون التّأثير لا يكون له معنى محصّل ، بل غير معقول أصلا كإثبات الباصرة للأعمى بدون الأبصار ، وإثبات السّامعة للأصّم بدون الاستماع ، وكما أنّ إنكار قدرة العبد مكابرة كذلك إنكار تأثيرها في بعض أفعاله (١) مكابرة ، والاعتراف بأنّ الأوّل مكابرة (٢) دون الثّاني مكابرة
__________________
(١) قال بعض فضلاء السادة من الشافعية : البصير لا يصير بصيرا الى أن قال : لا أثر لقدرة العبد في فعله ، فان فيه قطع طلبات الشرائع ، فمن زعم أن لا اثر لقدرته الحادثة في المقدور كمالا أثر للعلم في المعلوم ، فوجه مطالبة الله تعالى العبد في أفعاله كوجه مطالبته أن يثبت في نفسه ألوانا او يجعل للمحالات اكوانا ، وهذا خروج عن حد الاعتدال الى التزام الباطل المحال ، وفيه إبطال للشرائع ورد ما جاء به النبيون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ، وهذا الزاعم الذي يدعى أن لا اثر لقدرته أصلا إذا طولب بوجه طلب الله فعل العبد تحريما وفرضا أخذ بالجواب طولا وعرضا ، بان الله سبحانه (يَفْعَلُ ما يَشاءُ) و (يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) و (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) جدير بان يقال له هذه كلمة حق أريد بها الباطل ، نعم (يَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) و (يَحْكُمُ ما يُرِيدُ) لكن يتقدس عن الخلف وتكليف المحال ، فانه الحكم العدل تعالى شأنه عن الظلم أوجب على نفسه الأقدس الرحمة على عباده عدلا لا لان إتيان الظلم منه كما قيل محال ، منه «قده».
(٢) الفرق بين المكابرة والتحكم بعد اشتراكهما في كون كليهما دعوى بلاد ليل : أن المكابرة هي الدعوى بلا بينة مقرونة باكبار النفس وتحقير الخصم بخلاف التحكم فانه أعم منها.