كان والله كأحدنا ، يجيبنا إذا سألناه ، ويبتدئنا إذا أتيناه ، ويلبينا إذا دعوناه ، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة ، ولا نبتديه لعظمة ، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم ، يعظم أهل الدين ، ويحب المساكين ، لا يطمع القوي في باطله ، ولا ييأس الضعيف من عدله.
وأشهد بالله لقد رأيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سرباله وقد غارت نجومه ، وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته ، يتململ تململ السليم ، ويبكي بكاء الحزين ، فكأني الآن أسمعه وهو يقول :
يا دنيا يا دنيا ، أبي تعرضت؟! أم بي تشوقت؟! هيهات هيهات ، غري غيري ، لا حان حينك ، قد بتتك ثلاثا لا رجعة لي فيك ، فعمرك قصير ، وعيشك حقير ، وخطرك يسير ، آه من قلة الزاد وبعد السفر ووحشة الطريق.
قال : فبكى معاوية! وبكى القوم ، ثم قال : رحم الله أبا الحسن ، كان والله كذلك ، وكيف حزنك عليه؟ قال : حزن ـ والله ـ من ذبح واحدها في حجرها فلا ترقأ عبرتها ولا يسكن حزنها.
٩٥ ـ حدثنا الحسين ، أنبأنا عبد الله ، أنبأنا يوسف بن موسى ، أنبأنا جرير ، عن مغيرة ، قال : لما جئ معاوية بنعي علي بن أبي طالب ـ عليهالسلام ـ وهو قائل مع امرأته ابنة قرظة في يوم صائف فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون! ماذا فقدوا من العلم والخير والفضل والفقه؟! قالت امرأته : بالأمس تطعن في عينيه وتسترجع اليوم عليه؟! قال : ويلك لا تدرين ما فقدوا من علمه وفضله وسوابقه! (١).
٩٦ ـ حدثنا الحسين ، أنبأنا عبد الله ، أنبأنا يوسف بن موسى ، أنبأنا عمرو ابن طلحة القناد ، أنبأنا أسباط بن نصر ، عن سماك ، عن حجار بن أبجر ، قال : جاء رجل إلى معاوية فقال : سرق ثوبي هذا فوجدته مع هذا [٢٤٦ / أ] فقال : لو كان لهذا علي بن أبي طالب!؟
__________________
(١) أخرجه ابن عساكر في تاريخه في ترجمة أمير المؤمنين ـ عليهالسلام ـ بإسناده عن ابن أبي الدنيا.