الحاجة تدور حول هذا الباب أو ذاك ، وبمقدار ما يملكه من ثقافة ووعي وإبداع في خلق النواة الأولى لعلم النحو «فلم يقل أحد أنها وضعت في أول الأمر كاملة على الوجه الذي نراه في كتب العربية اليوم ، وإنما قيل إنه وضع بابي المفعول والفاعل أو باب التعجب أو أن وأخواتها .. إلى آخره ، فهو لم يضع النحو كاملا ، وإنما وضع فكرة أبواب استدعتها الظروف ولا بد أن هذه الأبواب التي وضعها وضعت بطريقة عامة مبسطة ليس فيها من الدقة والتفريع ما نراه اليوم في كتب القواعد ، فالاعتراض إذا غير قائم لأن أحدا لم يقل به» (٥٣). ولعل ما يؤيد ذلك ، وضع أبي الأسود لفكرة (التعجب) فإنه واجه حالة حفزته على البحث عن هذه الظاهرة بعد أن وجد وقوع اللحن في مجال التعجب خاصة على لسان ابنته حين سألته : «ما أشد الحر» فظنها تسأل ، وهي في الواقع تريد التعجب ، فهذا المثال ـ والشك حوله ـ حفز أبا الأسود على متابعة هذه الظاهرة ، حتى وصل أخيرا إلى وضع فكرة بدائية عامة عن التعجب ـ كما ينقل عنه ـ مهدت الطريق لمن يأتي بعده ليواصل البحث عنها وعن سائر المسائل.
إذا ، فالنحو الذي وضعه أبو الأسود كان بدائيا بسيطا ، كما هو الحال في بدايات مختلف العلوم والأفكار ، وإلا لتوجه الاعتراض لكل العلوم أنها كيف ولدت في أذهان مخترعيها؟!
تقييم أبي الأسود
١ ـ شخصية أبي الأسود الثقافية :
ونحن لو درسنا شخصية أبي الأسود ـ لأن شخصية الإمام (عليهالسلام) فوق البرهان ـ لرأيناه باعتراف المؤرخين والنحاة يملك ثقافة واسعة في مجالي اللغة والفكر ، حيث كان مطلعا على لهجات العرب ولغتها وغريبها وأدبها وكان شاعرا غير مكثر ، وكان يدرس العربية في البصرة ، حيث انصرف إليه بعض
__________________
(٥٣) مدرسة البصرة النحوية : ٥٥.