يستحسنون إثباتها بقراءة حمزة ومجاهد ، مع أنهما من أكابر علماء السلف في علم القرآن) (٢٦).
وقبل الرازي كان الشيخ الطوسي (ـ ٤٦٠ ه) يقول عن الاحتجاج بمثل هذه الأشعار على صحة الشئ المشتبه في القرآن : (لأن غاية ذلك أن يستشهد عليه ببيت شعر جاهلي ، أو لفظ منقول عن بعض الأعراب ، أو مثل سائر عن بعض أهل البادية ، ولا تكون منزلة النبي صلىاللهعليهوآله ـ وحاشاه من ذلك ـ أقل من منزلة واحد من هؤلاء ، ولا ينقص عن رتبة النابغة الجعدي ، وزهير ابن كعب وغيرهم ، ومن طرائف الأمور أن المخالف إذا أورد عليه ـ أي القرآن ـ شعر من ذكرناه ومن هو دونهم سكنت نفسه ، واطمأن قلبه ، وهو لا يرضى بقول محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، ومهما شك الناس في نبوته ، فلا مرية في نسبه وفصاحته ، فإنه نشأ بين قومه الذين هم الغاية القصوى في الفصاحة ، ويرجع إليهم في معرفة اللغة ... وكيف يجوز أن يحتج بشعر الشعراء عليه ، ولا يجوز أن يحتج بقوله عليهم؟! ... لأنهم ليسوا بأن يجعلوا عيارا عليه ، بأولى من أن يجعل هو عليهالسلام عيارا عليهم) (٢٧).
وإليك نماذج مما رد به النحاة هذه القراءات الصحيحة ، واتهامهم لقرائها وهم من فصحاء العرب :
١ ـ ردوا قراءة نافع المدني وابن عامر الدمشقي قوله تعالى : (وجعلنا لكم فيها معائش) (الأعراف : ١٠) لأنها بالهمز ، حتى قال المازني : (إن نافعا لم يدر ما العربية) (٢٨). وحجتهم في ذلك أن القاعدة تقضي أن حرف العلة إذا كان زائدا يقلب عند التكسير همزة مثل : (صحيفة وصحائف) و (عجوز وعجائز) ، ولكنه إذا كان أصليا لا يقلب مثل : (معيشة ومعايش) ـ وعليه قراءة الجمهور ـ ولكن استقراءهم كان ناقصا ، والقاعدة غير مطردة ، فالعرب تجمع مصيبة على
__________________
(٢٦) تفسير الرازي ٩ / ١٦٢.
(٢٧) التبيان ١ / ١٦.
(٢٨) صبح الأعشى ١ / ١٧٩.