سئل عن العلل التي يعتل بها في النحو ـ :
(عن العرب أخذتها أم اخترعها من نفسك؟ فقال : إن العرب نطقت على سجيتها وطباعها ، وعرفت مواقع كلامها ، وقام في عقولها علله ، وإن لم ينقل ذلك عنها ، واعتللت أنا بما عندي أنه علة لما عللته فيه ، فإن أكن أصبت العلة فهو الذي التمست ، وإن تكن هناك علة له ، فمثلي في ذلك مثل رجل حكيم دخل دارا محكمة البناء ، عجيبة النظم والأقسام ، وقد صحت عنده حكمة بانيها ... فكلما وقف هذا الرجل في الدار على شئ منها ، قال : إنما فعل هذا هكذا لعلة كذا ، ولسبب كذا وكذا ، سنحت له وخطرت بباله ، محتملة لذلك ، فجائز أن يكون الحكيم الباني فعل ذلك للعلة التي ذكرها هذا الذي دخل الدار ، وجائز أن يكون فعله لغير تلك العلة ، إلا أن ذلك مما ذكره هذا الرجل محتمل أن يكون علة لذلك ، فإن سنح لغيري علة لما عللته من النحو ، هي أليق مما ذكرت بالمعلول ، فليأت بها) (٤٨).
وهذا كلام ـ في حدود تعليل النحاة لأقيستهم ـ طبيعي جدا ، ولكنه من العلل المستنبطة لا المنصوصة.
٢ ـ الاجماع على العلة :
وأغرب من نص العرب على العلة الاجماع عليها ، فأنا قد أفهم في الفقهيات أن المسلمين الذين حرمت الخمر عليهم ـ أو أن فقاءهم ـ يدركون علة ذلك ، أو يتخيلونها ، لأنهم في صدد البحث عنها ، فيقولون هي (الاسكار) مثلا ، وقد يجمعون على ذلك ، فيكون المسلك لمعرفة العلة حينئذ إجماع المسلمين أو إجماع الفقهاء ، ولكن كيف يتيسر ذلك في اللغة؟ ما المقصود بالإجماع على العلة هنا : أهو إجماع العرب ، أم إجماع النحاة؟
أ ـ فإن كان إجماع العرب ، فقد سبق أن كل قبيلة تتكلم بلغتها ولهجتها
__________________
(٤٨) الإيضاح في علل النحو ـ للزجاجي ـ : ٦٥ ـ ٦٦.