بطريقة عفوية ، ولا شك أن هناك قبائل أخرى تختلف معها في طريقة النطق أو الاشتقاق ، ولم تكن هذه القبيلة ، ولا غيرها ـ حين التكلم ـ بصدد أن تدرك علل كلامها ، وعلى فرض أنها كانت بهذا الصدد فهل أدركت؟ ثم هل عللت؟ وأخيرا هل أجمعت؟ وهي أسئلة يتوقف إمكان الاجماع على الإجابة عنها ، ثم ما قيمة هذا الاجماع مع علمنا باختلاف القبائل؟ وما فائدة هذا الاجماع لمدعيه من النحاة ، وقد كان يكفيهم أن عربيا ، أو قبيلة عربية عللت كلامها ، فنقيس على تلك العلة ، لأنها حينئذ علة منصوص عليها ، ويصح القياس عليها من دون حاجة إلى هذا التمحل بادعاء الاجماع؟
ب ـ وإذا كان المقصود بالإجماع على العلة هو إجماع النحاة ، وهو أمر معقول ، ولكن هل حصل هذا الاجماع؟ وعلى فرض حصوله فما قيمته من ناحية الاحتجاج به؟ لأن المقصود أن نقيس على كلام العرب ، لا كلام النحاة.
قد يقال : بأن إجماع النحاة على العلة (يكشف) عن أنها هي العلة عند العرب ، كما يكشف إجماع الفقهاء على العلة أنها هي التي قصدها الشارع في حكمه. ولكن ذلك قياس مع الفارق ، فالمفروض أن الشارع هو الذي أعطى الحجة لإجماع الفقهاء (ما اجتمعت أمتي على الخطأ) أو ضلالة ، فكان لإجماعهم هذا (الكشف) عن العلة عند الشارع ، ولكن من الذي أعطى النحاة هذه القوة (الكاشفة) عن قول العرب؟! أقال العرب مثلا : (ما اجتمع النحاة على خطأ) أو : (ما قاله نحاتنا فهو قولنا)!!
وسيأتي مزيد إيضاح لذلك عند الحديث عن مسألة (الاجماع) نفسها.
٣ ـ المسالك المظنونة :
وإذا كان الحديث عن النصر على العلة ، والإيماء إليها والإجماع ، ما قد رأيت ، فلم يبق إلا الحديث عن المسالك المظنونة ، ولا أعتقد أن المعقول منها والمفيد في المسألة النحوية غير (المشابهة) و (الاطراد) ، وهذا ما حصل في أوليات الاستنباط النحوي ، حينما سأل يونس بن حبيب شيخه ابن أبي إسحاق :