(السماع).
٥ ـ القياس والاستقراء :
ومن الفوارق المهمة بين القياس النحوي والفقهي مسألة (الاستقراء) فالمحققون من النحاة حين يعرفون النحو يقولون هو : (علم بمقاييس مستنبطة من استقراء كلام العرب) (٥٧). ويقول ابن السراج : (وهو علم استخرجه المتقدمون فيه من استقراء كلام العرب) (٥٨). ويقول أبو إسحاق الشاطبي : (الذين اعتنوا بالقياس والنظر فيما يعد من صلب كلام العرب ، وما لا يعد ، لم يثبتوا شيئا إلا بعد الاستقراء التام ، ولا نفوه إلا بعد الاستقراء التام) (٥٩).
فالقياس النحوي إذن قائم على الاستقراء ، ولا تكاد تتم لهذا الأصل فائدته دون الاعتماد على أصل آخر هو (الاستقراء) وهذا أمر معروف عند النحويين عموما ، حتى قال بعض المحدثين : (لست أعقل النحو إلا استقراء ثم قياسا) (٦٠).
والأمر ليس كذلك بالنسبة للقياس الفقهي ، فهو عندهم : عملية اجتهادية تتم من دون حاجة إلى الاستقراء ، لا التام منه ولا الناقص ، وذلك لأن المشرع عند الفقهاء (واحد) ونصوصه معروفة فنضبطه في كتاب الله وسنة نبيه ، ويمكن القياس على أي نص تظهر لهم علته ، والمشرعون عند النحاة لا يحصون عددا ، وبلادهم متباعدة ، ولهجاتهم مختلفة ، لذلك فعملية الاستنباط عندهم بحاجة إلى : التتبع ، والإحصاء ، والفرز ، والملاحظة ، ثم استنتاج العلة حتى يصح القياس عليها ، ولا يصح لهم القياس على أي نص لأي عربي ، كما يصح ذلك عند الفقهاء.
__________________
(٥٧) السكاكي في القسم النحوي من المفتاح : ٤١.
(٥٨) الأصول ـ لابن السراج ـ ١ / ٣٧.
(٥٩) دراسات في العربية وتاريخها : ٧١.
(٦٠) الأستاذ سعيد الأفغاني في كتابه (في أصول النحو) : ٧٨.