وإذا افترضنا أننا سمعنا عربيا ، ممن يصح الاحتجاج بقوله ، قال : (علمته تعليما) فلا يصح لنا أن نصوغ المصدر بزنة (تفعيل) من كل فعل مضعف (فعل) ما لم نستقرئ ما وصلنا من كلام العرب في ذلك ، فإذا وجدناهم يصوغون ـ باطراد ـ مصدر هذا الفعل بهذه الصيغة ، قسنا حينئذ عليها : (تثقيف من ثقف) و (تنظيم من نظم) و (تبويب من بوب) وأمثالها ، وهكذا القول في صوغ أسماء الفاعلين والمفعولين ، وأسماء الزمان والآلة ، وجموع التكسير ، والنسب ، والتصغير وغير ذلك.
الاستقراء أولا ثم القياس.
ولهذا أخذ الأخفش على بشار بن برد حين قال :
الآن أقصر عن سمية باطلي |
|
وأشار ب (الوجلى) علي مشير |
وقال :
على (الغزلى) مني السلام فربما |
|
لهوت بها في ظل مخضلة زهر |
فاشتق من الوجل والغزل وصفا : (وجلى) و (غزلي) لأن ذلك لم يسمع من العرب.
وإنما قاسه بشار على (جمزى) من (الجمز) ـ أي السرعة ـ وهو ليس موضع قياس (٦١).
و (جمزى) هذه لم ترد إلا في بيت لأمية بن أبي عائذ :
كأني ورحلي إذا رعتها |
|
على جمزى جازى بالرمال (٦٢) |
فقاس بشار عليه غزلي ووجلي دون أن يتم استقراء هذا الوصف.
ومع هذا الفرق الواضح بين قياس لا يتم إلا بالاستقراء ، وقياس لا علاقة له به ، لا بد أن تكون هناك فروق بين قواعد تأصيل كل منهما ، ولذلك اختلفت الأقيسة النحوية بين مدرستي البصرة والكوفة ، وبين نحاة المدرسة الواحدة أحيانا
__________________
(٦١) دراسات في العربية وتاريخها ـ للشيخ محمد الخضر حسين ـ : ٧١.
(٦٢) المزهر ـ للسيوطي ـ
٢ / ٧١.