ويبدو لي أنه لم يكن يقصد من ذكر (الاجماع) في الإنصاف ، إلا معناه اللغوي (الاتفاق على الأمر) لا المعنى الاصطلاحي الذي يقصد منه أن الاجماع دليل مستقل عن النقل والقياس ، وذلك :
١ ـ لأن هذه المسائل التي ذكر فيها الاجماع ، كانت أدلتها ـ عند الطرفين ـ إما منصوص عليها ، أو مقيسة ، وذكر الاجماع فيها إنما هو من باب إلزام الخصم بأنه (متفق) مع خصمه على صحة النص ، أو صحة القياس ، وليس هذا من باب الاحتجاج بالإجماع ، على أنه دليل مقابل للنص أو للقياس عليه.
٢ ـ أن الأنباري لو كان يذهب إلى حجية الاجماع لذكره في موضعه الطبيعي ، وهو كتاب (لمع الأدلة) مع أن هذا الكتاب وضعه ـ كما يقول في مقدمته ـ بعد وضع كتاب الإنصاف في مسائل الخلاف (٧٤).
٣ ـ ولو سلمنا بأنه كان يعني هنا بالإجماع معناه المصطلح عليه ، فإنه يكون من باب (الاجماع المنقول) وهو كخبر الواحد ، لا بد من معرفة ناقله ، وعدالته وتوثيقه ، ومعرفة العصر الذي نقل الاجماع عنه ، وعدم وجود المخالف فيه ، وأمثال ذلك مما هو غير متوافر فيما حكاه الأنباري ، والكتاب ، بعد ذلك ، كتاب في مسائل الخلاف ، وما من مسألة فيه إلا كانت مسرحا لخلاف بين نحاة المصرين ، أو بين نحاة كل مصر منهما أحيانا ، فيكف نقطع بعدم وجود المخالف؟!
ج ـ الاجماع السكوتي :
والإجماع السكوتي ذكره السيوطي ، على أساس أنه صورة من صور (إجماع العرب) وعرفه بما يلي : (أن يتكلم العربي بشئ ، ويبلغهم ـ يعني العرب ـ ويسكتون عليه) (٧٥).
ثم استشهد له باستدلال ابن مالك في التسهيل على جواز توسيط خبر (ما) الحجازية ، ونصبه بقول الفرزدق :
__________________
(٧٤) لمع الأدلة : ٢٢.
(٧٥) الاقتراح : ٣٦.