على المنصوص ، وقد خالف إجماع النحويين على تغليط (هذا جحر ضب خرب) القياس الذي انعقد في نفس ابن جني ، فلم يعد إجماعهم حجة عليه.
فأقول لك : أنا أفهم من اشتراط ابن جني ذلك ، أنه قصد به إضعاف القول بحجية الاجماع ، وذلك لأننا نفهم من حجية الاجماع أنه ، بعد انعقاده ، يكون حجة على المجتهدين الذين يستطيعون أن يقيسوا ، لا على المقلدين أو المبتدئين في النحو ، وإلا فإذا جاز لكل مجتهد فرقت له علة صحيحة أن يخالف إجماع المجمعين ، فلا خصوصية حينئذ لقصر الحجية على (إجماع البلدين) ، ذلك لأن إجماع أهل البصرة وحدهم حجة عليك إذا لم يخالف المنصوص ولا المقيس عليه ، وإجماع أهل الكوفة ، أو بغداد ، أو الأندلس ، أو مصر ، كذلك حجة إذا لم يخالف المنصوص ولا المقيس على المنصوص ، بل إن قول الكسائي وحده ، أو سيبويه ، أو المبرد ، أو ابن جني حجة عليك إذا لم يخالف المنصوص والمقيس ، فإذا انعقد في نفسك قياس على خلاف ما قاسوا ، لم يعد قولهم حجة!!
فما معنى حصر الحجية إذن بإجماع البلدين وحده؟!
أما الذين تأخروا عن ابن جني من مؤلفي هذه الأصول ، فإن السيوطي ـ كعادته ـ نقل قوله ولم يعقب (٧١).
وابن الأنباري ، في لمع الأدلة ، حصر أدلة النحو في ثلاثة : النقل ، والقياس ، واستصحاب الحال (٧٢). وذكر الاستحسان وأدلة أخرى ولم يرتضها ، ولم يذكر في كتابه الاجماع لا بنفي ولا إثبات ، ولكنه في كتاب (الإنصاف) احتج كثيرا بالإجماع ، أو بخلاف الاجماع ، لآراء البصريين والكوفيين ، أو للرد
__________________
(٧١) أنظر : الاقتراح : ٣٥ ـ ٣٦.
(٧٢) لمع الأدلة : ٢٧.
(٧٣) أنظر : الإنصاف في مسائل الخلاف ـ تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد ـ ١ / ٣٣ ، و ٢ / ٤٩٠ و ٥٢٨ و ٥٣٥ و ٥٥٢ و ٥٧١ و ٦٠٩ وغيرها.