النحو ، كالقياس وكالسماع فنسألهم : إذا كانت هذه هي أمثلة الاستحسان عند ابن جني : أي : المواضع التي يشذ فيها الحكم القياسي ولا تطرد علته ، وإذا كانت هذه المواضع ـ عنده ـ نسمعها ولا نقيس عليها ، أي أننا لا يمكن أن نستفيد منها (حكما نحويا فيما لا نص فيه) كما يستفيد الأحناف من استحسانهم (حكما شرعيا فيما لا نص فيه) فكيف يكون هذا الاستحسان من أدلة النحو ومصادر أحكامه؟!
إن كل ما يفيده هذا الباب الذي عقده ابن جني للاستحسان ، ونقله السيوطي في الاقتراح ، هو تفسيره لشذوذ هذه الأمثلة ، وقد يكون بعض هذا التفسير مقبولا في الأسباب التي دعت العربي للخروج عن سنن القول التي سار عليها ، ولكن ليس هذا هو الغرض من الاستحسان باعتباره (أصلا) ، فالأصول ليست بصدد أن تقول لنا : إن هذا العربي ترك نهج القياس الذي سار عليه و (استحسن) هنا أن يضيف نون التوكيد إلى اسم الفاعل ، وإنما هي بصدد أن تقول : إن النحوي يستطيع أن يترك القياس ويستحسن إضافة نون التوكيد إلى اسم الفاعل ، وابن جني يصرح بأن ذلك غير ممكن ، فلا يصح أن تقول : أقائمن يا زيدون ، ولا : أمنطلقن يا رجال.
وإذا كان هذا الاستحسان مخالفا لوظيفة (الأصول) المشابهة له ، لأنه (أصل غير منتج) فجعله في أصول النحو وأدلتها إرباك لهذه الأصول ، وإذا كانت وظيفته تفسيرية فقط ، فليجلس في زاوية من زوايا (فقه اللغة) وأسرار العربية.
٥ ـ الاستصحاب
لم يذكر ابن جني الاستصحاب ، كما ذكر الاستحسان ربما لأن أصحابه من الحنفية لم يعتبروه من أدلة الفقه ، وإن ذهب بعض المتأخرين منهم إلى أنه : (حجة دافعة ، لا حجة مثبتة ، أي : حجة لدفع ما يخالف الأمر الثابت