وإذا قارنا بين العلوم الإسلامية ، وجدنا أن علم الكلام ، أكثرها أهمية من حيث ما يحتويه من بحوث عميقة ضرورية ، كما هو أسبق رتبة من غيره ، وأشرف موضوعا ، لأنه يبحث عن أساس ما على المسلم من التزامات فكرية وعقائد ، من المبدأ ، والمعاد ، وما بينهما ، وعلى ذلك تبتني كل تصرفاته وشؤون حياته الدنيوية والأخروية (٣).
وبالرغم من اتحاد المسلمين على عهد الرسالة في الالتزام بما يتعلق بالقسمين من تعاليم الإسلام معا ، فإن عنصرا جديدا طرأ بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فأدى إلى حدوث خلاف بينهم ، وهو «الخلافة» وسبب البحث حولها انقسام الأمة إلى فرقتين :
١ ـ الفرقة الأولى : تقول بوجوب الإمامة على الله تعالى ، كما هو الاعتقاد في النبوة ، وأن الإمام يتعين بتعيين الله تعالى ، وهم «الشيعة».
وعلى رأيهم يكون بحث الإمامة ، من صميم المباحث الكلامية.
٢ ـ الفرقة الثانية : تقول بأن الإمامة واجب تكليفي على الأمة ، فيجب على المسلمين كافة تعيين واحد منهم لأن يلي أمر الأمة ، وهؤلاء هم «العامة».
وعلى رأيهم يكون بحث الإمامة ، من مباحث الأحكام الشرعية ، وهذا النزاع مع أنه لم يمس ـ ظاهرا ـ العقائد المشتركة التي كانت على عهد الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكان الإنسان بها مسلما إلا أنه أدى إلى تصديع الحق الذي كانوا عليه في ذلك العهد ، وسبب بعد إحدى الفرقتين عن الأخرى ، فوجود مدرستين منفصلتين ، لكل منهما طريقتها الخاصة في التدليل والتحليل ، إلى حد دخل بحث الإمامة في صلب مباحث علم الكلام ، بعد حين (٤).
__________________
(٣) لاحظ : تلخيص المحصل ـ للمحقق الطوسي ـ : ١.
(٤) لاحظ : المقالات والفرق ـ للأشعري القمي ـ : ص ٢ وبعدها ، وخاندان نوبختي ٥ ـ ٧٦ ، وقارن : تأريخ المذاهب الإسلامية ـ لأبي زهرة ـ : ٢٠ و ٢٥ و ٨٨.