تخالف مسحا مجازا واستعارة ، وليس هو على الحقيقة ، ولا يجوز لنا أن نصرف كلام الله تعالى عن حقائق ظاهرة إلا بحجة صارفة.
فإن قال : ما تنكرون من أن يكون جر الأرجل في القراءة إنما هو لأجل المجاورة لا للنسق ، فإن العرب قد تعرب الاسم بإعراب ما جاوره ، كقولهم. جحر ضب خرب ، فجروا خربا لمجاورته لضب ، وإن كان في الحقيقة صفة للجحر لا للضب.
فتكون كذلك الأرجل ، إنما جرت لمجاورتها في الذكر لمجرور وهو الرؤوس ، قال امرؤ القيس (٣٠) :
كأن ثبيرا في عرانين وبله |
|
كبير أناس في بجاد مزمل (٣١) |
فجر مزملا لمجاورته لبجاد ، وإن كان من صفات الكبير ، لا من صفات البجاد ، فتكون الأرجل على هذا مغسولة ، وإن كانت مجرورة.
قلنا : هذا باطل من وجوه :
__________________
ابن أحمد والكلبي وابن السائب وابن قتيبة وأبو سليمان الدمشقي.
تفسير الطبري ٢٣ : ١٠٠ ، الجامع لأحكام القرآن ـ للقرطبي ـ ١٥ : ١٩٥ ، تفسير القرآن العظيم ـ لابن كثير ـ ٤ : ٣٧ ، زاد المسير ٧ : ١٣١ ، معاني القرآن ـ للفراء ـ ٢ : ٤٠٥ ، مجاز القرآن ـ لأبي عبيدة ـ ٢ : ١٨٣ ، الكشف عن وجوه القراءات ١ : ٤٠٦ ، مجمع البيان ـ للطبرسي ـ ٤ : ٤٧٥ ، لسان العرب ٢ : ٥٩٥ ، العين ٣ : ١٥٦.
(٣٠) امرؤ القيس بن حجر بن الحارث ، أشهر شعراء العرب ، يماني الأصل ، نجدي المولد ، من شعرا " المعلقات ، توفي في سنة ٨٠ ق ه.
طبقات فحول الشعراء ١ : ٥٢ ، و ٨٢ ، خزانة الأدب ١ : ٣٢٩ ، شرح ابن أبي الحديد ٩ : ٢٤٤.
(٣١) المعنى العام للبيت : كأن ثبيرا في أوائل مطر هذا السحاب سيد أناس ، قد تلفف بكساء مخطط ، شبه تغطيته بالغثاء بتغطي هذا الرجل بالكساء ، وقد جر «مزمل» صفة لكبير ، وكان حقها الرفع ، وإنما خفض لمجاورته لبجاد عند بعض العلماء ، ولأناس عند بعضهم وهو المرجح ، وقال أبو علي الفارسي : إنه ليس علي الخفض بالجوار ، بل جعل مزملا صفة حقيقية لبجاد ، قال : لأنه أراد «مزمل فيه» ثم حذف حرف الجر فارتفع الضير واستتر في اسم المفعول ، كما أن الاقواء جار على ألسنتهم ، فيمكن أن يكون حرف الروي مرفوعا وجر إقواء ، كما قال النابغة الذبياني :
زغم البوارح أن رحلتنا غدا |
|
وبذاك حدثنا الغراب الأسود |
لا مرحبا بغد ولا أهلا به |
|
إن كان توديع الأحبة في غد |
مغني اللبيب ٢ : ٦٦٩ و ٨٩٥. ديران امرئ القيس : ٦٢ ، المعلقات العشر : ٩٢ ، خزانة الأدب ٥ : ٩٨ ، لسان العرب ١٢ : ١٧٧.