مضافا إلى أن أساس هذا التفسير لنظرية هشام هو أنه يرى من ذات البارئ «مادة معينة» وهو ما لم يقله هشام ، بل ينافي مقولته منافاة قاطعة ، كما سيأتي.
وهذا بخلاف ما التزمناه من اصطلاح هشام في «الجسم» بمعنى «الشئ» فمضافا إلى شهرته عنه ، وإقامته الدليل عليه ، كما سبق أن فصلناه ، فهو بمعنى «شئ لا كالأشياء» المقولة التي التزمها كل المسلمين ـ عدا الشاذين ـ وهو يعبر عن مجرد وجود الذات الإلهية ، منزها عن كل خواص الأجسام ، فهو خارج عن حد التعطيل وحد التشبيه ، كما قلنا.
٧ ـ التعليل بأن الله تعالى «جسم لا كالأجسام» و «صورة لا كالصور» تماما كما هو «عالم بعلم ، وعلمه ذاته» التي يستشهد بها المعتزلة دليلا على التجريد والتنزيه ...
أقول : هذا التعليل منقول عن هشام في إلزام أبي هذيل العلاف ، كما نقله الشهرستاني ، قال : هشام بن الحكم ، صاحب غور (١٨٩) في الأصول ، لا مجوز أن يغفل عن إلزاماته على المعتزلة ، فإن الرجل وراء ما يلزم به على الخصم ، ودون ما يظهره من التشبيه ، وذلك أنه ألزم العلاف ، فقال له. إنك تقول : البارئ تعالى «عالم بعلم ، وعلمه ذاته» فيشارك المحدثات في «أنه عالم بعلم» ويباينها في «أن علمه ذاته» فيكون «عالما لا كالعالمين» فلم لا تقول :. «إنه جسم لا كالأجسام» و «صورة لا كالصور» وله «قدر لا كالأقدار» إلى غير ذلك (١٩٠).
بيان الالزام في هذا الكلام : أن أبا الهذيل التزم من بين المعتزلة ، بأن الله يعلم الأشياء بعلم هو ذاته (١٩١).
ولكن. هشاما يقول : إن الله يعلم الأشياء بعلم ، وعلمه صفة له ، ليست هي هو ،
__________________
(١٨٩) كذا بالغين المعجمة في طبعة المصدر. الموجودة بهامش الفصل ، لكن المطبوع في المصدر الذي راجعناه («عور» بالعين المهملة ، هل هو خطأ مطبعي؟!
(١٩٠) الملل والنحل ١ / ١٨٥.
(١٩١) مقالات الإسلاميين ١ / ٢٢٥ و ٢٤٣.