إنّه ربما يكون ذلك من أجل أنّ بعض الباحثين لم ير في طرح تلك الأمور فائدة أو عائدة ، بل رأي أنّها اُموراً جانبية وجزئية ، ليس لها كبير أثر على الصعيد الواقعي والعملي.
وقد يكون السبب في ذلك هو : أنّهم قد تعاملوا معها من موقع الغفلة عن نقاط الضعف أو القوّة فيها ، فأخرجوها بذلك عن أن تقع في دائرة اهتماماتهم في الشأن العلمي ، لاعتقادهم : أنّها من المسلَّمات ، أو من الأُمور التي تستعصي على البحث ، لعدم توفّر المعطيات الكافية لإثارته ومعاناته ، بصورة كافية ووافية.
وثمّة سبب آخر ، وهو الأَكثر معروفية وشيوعاً ، وهو اعتقاد : أنّ إثارة بعض الموضوعات من شأنه أن يخل بالوضع العامّ ، حينما يكون سبباً في إحداث قروح عميقة ومؤلمة في جسم الأُمة ، ويزرع فيها بذور الحقد والشقاق ، ويتسبّب في خلخلة العلاقات ، ثم في تباين المواقف.
وثمّة سبب آخر ، له أيضاً حظٌّ من التواجد على نطاق واسع أيضاً ، ولكنّه لا يفصح عنه إلاّ الأَقلّون ، وهو : أنّ بعض الباحثين لا يرى في هذه الموضوعات ما يثير فيه شهيَّته ، ولا يجلب له من المنافع ما يسهّل عليه معاناة البحث ، وتحمّل مشاقّه. بل هو يجد فيها نفسه في مواجهة هجمة شرسة ، من قبل فئات حاقدة وشرِّيرة وقاسية ، لن يذوق في حياته معها طعم الراحة ، بعد أن أقدم على ما أقدم عليه.
بل إنّها لن تتركه يسلم بجلده دون عقاب ، أدناه التشهير والتجريح والشنآن. إن لم يكن التكفير ، ثم الاضطهاد ، والأَذى ، والحرمان.
ولكنَّنني بدوري استطيع أن أقول : إنّ إثارة وطرح أمثال هذه الموضوعات على اختلافها على بساط البحث هو الأَوْلى والأَجدى ، حتى ولو فرضها البعض من الأُمور الجزئية والجانبية ; إذ أنّ جزئيّتها ، لا تقلّل من حسّاسيّتها وأهمّيّتها ، لا سيما إذا كانت جزءاً من التكوين الفكري أو تسهم في وضوح الرؤية العامة ،