والمخالف ، وجعلت من أسمائهم نجوماً زاهرة لا يعسر حتى على كليل البصرادراكها والاسترشاد بهدى نورها.
بلى إنَّ لكل عَلَم من اولئك فضل لا يُنكر ، ومكانة لا تُدانى ، وشرف لا يُسابق ، لا يوفيهم ديونهم الاّ مَنْ أفنوا نفوسهم في طاعته ، ودفاعاً عن دينه ، ولعل شيخنا المفيد رحمه الله تعالى واسكنه في فسيح جنانه يقف بلا منازع في مقدمة تلك القمم السامقة والوجودات الرفيعة ، من الذين ارتضعوا من ثدي الولاء المحمدي لبناً صافياً لا يشوبه شيء ، حيث ينبعث من ذلك البيت الطاهر الذي اذهب الله عنه الرجس وطهَّره تطهيره ، ففاق الجميع ، وتباركوا به.
ولا غرو في ذلك ، فان التأمل في حياة هذا الرجل وتدارس آثاره ـ التي قد تربوعلى المائتين مصنف ـ وفي شتى العلوم ، تفصح عن قليل من كثير في فضله ومنزلته الكبيرة.
كما ان استقراء الحقبة الزمنية التي عاشها الشيخ المفيد رحمه الله وما تبوأه ـ حينذاك ـ من مركز حساس هو قبلة للناظرين ـ حيث انتهت اليه رئاسة متكلمي الشيعة الامامية ـ تكشف بوضوح عن علوِّ منزلته العلمية ، وقدرته الكلامية الفائقة التي وضَّفها في الدفاع عن حوزة هذهِ الطائفة أمام سيل المنازلات الكلامية التي شهدتها بغداد المزدحمة آنذاك بالكثير من النظّاروالمتكلمين ، والذين تعقد لهم في احيان كثيرة مجالس مهيبة يشرف عليها اقطاب الدولة ورجالاتها ، ولا غلو ان صرّحنا بتصاغر الجميع ـ وتلك حقيقة لا يعسر على متشكك ادراكها ـ أمام الشيخ المفيد واقرارهم بمذهبه ، مؤمنين كانوا أو صاغرين.
بلى ، لقد كان الشيخ المفيد رحمه الله في علمه بحر لا ينزف ، وقمة لا تدانى ، امضى حياته الشريفة الطاهرة في العلم والعمل ، والجد والاجتهاد ، والزهد والتعبُّد ، فكان مصداقاً حقيقاً لورثة علوم العترة الطاهرة عليها السلام ، ورمزاً كريماً للدعاة إلى دين الله الحنيف ، فكان لا بد لهذهِ الامة المدينة له