وتحقيق الحق في هذا المقام تقديم الكلام في بيان معنى الجمع ، فنقول :
اعلم ـ أرشدك الله ـ أن الجمع ضربان :
حقيقي : وهو أن يجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما ، كجمع الصلاتين يوم عرفة وليلة مزدلفة.
وصوري : وهو تأخير الأولى إلى آخر وقتها وتعجيل الأخرى في أول وقتها كجمع المستحاضة بين الصلاتين ، وهو توقيت في الحقيقة.
إذا تقرر هذا فاعلم : أن لفظ الجمع حقيقة في الجمع الحقيقي وما سواه مجاز ، لأنه المتبادر إلى الذهن عند الاطلاق ، وقد تقرر في محله أن التبادر والانسباق إلى الذهن من دون قرينة من أمارات الحقيقة ، فإرادة الجمع الصوري من اللفظ مجاز لعدم تبادره من اللفظ إلا مع القرينة.
وكذا ذكروا أن صحة السلب من علامات المجاز ، فيصح أن يقال : إن الجمع الصوري ليس بجمع حقيقة لوقوع كل من الصلاتين في وقتها ، ولو شك في إرادة المعنى الحقيقي أو المجازي من لفظ الجمع فإن أصالة الحقيقة في الكلام محكمة بلا ريب.
ثم إن الخطابي ذكر في تحقيق معنى الجمع كلاما لا بأس بإيراده هنا إتماما للفائدة وتكميلا للعائدة.
قال (٦٤) : ظاهر اسم الجمع عرفا لا يقع على من أخر الظهر حتى صلاها في آخر وقتها ، وعجل العصر فصلاها في أول وقتها ، لأن هذا قد صلى كل صلاة منهما في وقتها الخاص بها.
قال : وإنما الجمع المعروف بينهما أن تكون الصلاتان معا في وقت إحداهما ، ألا ترى أن الجمع بعرفة بينهما ومزدلفة كذلك. انتهى.
__________________
(٦٤) معالم السنن ٢ / ٥٢ ح ١١٦٣ ، عون المعبود ١ / ٤٦٨.