وإذا أحطت خبرا بما ذكرناه فاعلم أنهم قد احتجوا لتعين حمل أحاديث الباب على الجمع الصوري بوجوه :
الأول : ما أخرجه النسائي عن جابر بن زيد ، عن ابن عباس ، قال : صليت مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بالمدينة ثمانيا جميعا وسبعا جميعا ، أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء.
قال الشوكاني في (نيل الأوطار) (٦٥) : فهذا ابن عباس راوي الحديث قد صرح بأن ما رواه من الجمع المذكور هو الجمع الصوري. انتهى.
قلت : قد ذهل الشوكاني عن أن التأخير والتعجيل المذكورين في هذا الحديث إنما هو من كلام الراوي عن ابن عباس ، أعني أبا الشعثاء جابر بن زيد ، فالحديث مدرج ، أدرج فيه أبو الشعثاء تلك الزيادة بحيث يظن أنها من كلام ابن عباس ـ رضوان الله تعالى عليه ـ ، وهذا تدليس منكر ، ولو تفطن الشوكاني لذلك لأحجم عن الاحتجاج به لما اختاره ونافح عنه.
ويشهد لما ذكرنا ما أخرجه الشيخان في صحيحهما عن عمرو بن دينار ، أنه قال ـ بعد ما حدثه أبو الشعثاء بحديث الجمع ـ : يا أبا الشعثاء أظنه أخر الظهر وعجل العصر ، وأخر المغرب وعجل العشاء ، قال أبو الشعثاء : وأنا أظن ذلك.
ثم وقفت على قول ابن شاكر في تعليقه على مسند أحمد (٦٦) : إن هذا الجمع الصوري من تأويل أبي الشعثاء ولا حجة فيه. انتهى.
وهو متين ، فلا ينبغي بعد هذا أن يكون في النفس شئ مما ذكرنا.
وظن ذينك لا عبرة به في نفسه ، فكيف إذا خالف صريح السنن (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا) ولو كان سمعه من
__________________
(٦٥) نيل الأوطار ٣ / ٢٤٦.
(٦٦) تعليق ابن شاكر على مسند أحمد ٣ / ٢٨٠ ح ١٩١٨ ، ط. دار المعارف بمصر.