بين الصلاتين في الحضر) أجاد في وأفاد ، بيد أنه قيد جواز الجمع بعدم اتخاذه عادة ، كما نبه على ذلك في مواضع من رسالته.
وقال الشيخ العلامة القاضي أحمد بن محمد بن شاكر الشافعي في الجمع ـ : هذا هو الصحيح الذي يؤخذ من الحديث ، وأما التأويل بالمرض أو العذر أو غيره فإنه تكلف لا دليل عليه.
قال : وفي الأخذ بها رفع كثير من الحرج عن أناس قد تضطرهم أعمالهم أو ظروف قاهرة إلى الجمع بين الصلاتين ، ويتأثمون بذلك ، ففي هذه ترفيه لهم وإعانة على الطاعة ما لم يتخذه عادة ـ كما قال ابن سيرين ـ. انتهى.
قلت : إن هذين الفاضلين وإن أصابا الحق في تجويزهما الجمع في الحضر ، إلا أنهما قلدا ابن سيرين فيما اشترطه من عدم اتخاذ الجمع عادة ، مع أن أدلة الجمع بين الصلاتين في الحضر مطلقة كعلته ، لم تقيد بشئ ، كما لا يخفى ، فأنى لهم إثبات هذا الشرط الذي لم يأت به كتاب منزل ، ولا نبي مرسل؟!
نعم ، لا ريب في استحباب التفريق ، إلا أنه لا ينهض مانعا من الجمع إذا اتخذ عادة ، قصارى الأمر أن في اعتياد الجمع ترك للمستحب الأفضل لا غير ، وهو لا يفيد اشتراط عدم اتخاذ الجمع عادة ، فافهم.
وذكر سيدنا الإمام شرف الدين العاملي ـ رحمهالله تعالى ـ في بعض رسائله (٩٤) : أن غير واحد من محققي علماء الجمهور من أهل عصره ذهبوا إلى جواز الجمع ، بيد أنهم لا يجرؤون على مبادهة العامة بذلك ، وربما يمنعهم الاحتياط ، فإن التفريق بين الصلوات مما لا خلاف فيه ، وهو أفضل ، بخلاف الجمع.
__________________
(٩٣) التعليق على سنن الترمذي ـ لابن شاكر ـ ١ / ٣٥٨.
(٩٤) مسائل فقهية خلافية ـ مبحث الجمع بين الصلاتين.