وبعد ذلك ظلت مصر فترة عشرين سنة بلا مطبعة ، أي حتى سنة ١٨٢١ م ، حينما أنشئت (المطبعة الأهلية) ، التي عرفت بمطبعة (بولاق) ، لأنها وضعت أخيرا في بولاق ، وعهد بإدارتها إلى نقولا مسابكي السوري ، الذي تمرس في فن الطباعة في روما.
ثم أنشئت (المطبعة الأهلية القبطية) سنة ١٨٦٠ م ، وبعدها (مطبعة وادي النيل) سنة ١٨٦٦ م ، التي كانت تطبع فيها صحيفة (وادي النيل) لصاحبها أبي السعود أفندي ، وتكاثرت المطابع فيما بعد في زمن الخديوي إسماعيل (٦٤).
ولكن أعظم المطابع إنتاجا ، وأكثرها إسهاما في إحياء التراث ، هي مطبعة بولاق ، التي واصلت عملها لما يربو على تسعين عاما ، وأصدرت عددا كبيرا من كتب التراث وموسوعاته ، بطبعات مصححة ، تولى الإشراف على ضبطها وتقويمها ونشرها جماعة من المشايخ المحققين الخبراء ، ومن أشهرهم :
الشيخ نصر الهوريني ، والشيخ قطة العدوي ، والشيخ محمد الحسيني ، والشيخ طه محمود ، والشيخ محمد عبد الرسول.
فقد كان لهؤلاء وغيرهم من المصححين الأوائل في بولاق أعظم الأثر ، في تشييد أركان مدرسة علمية فنية خاصة لتصحيح ونشر التراث ، تخرجت فيها فيما بعد الأجيال اللاحقة من أبرز محققي التراث في هذا العصر ، من أمثال : أحمد زكي باشا ، وأحمد محمد شاكر ، وعبد السلام هارون ، ومحمد مصطفى زيادة ، ومصطفى السقا ، وإبراهيم الأبياري ، وعبد الحفيظ شلبي ، ومحمد أبو الفضل إبراهيم ، والسيد أحمد صقر ، وعائشة عبد الرحمن (بنت الشاطئ) ، ومحمد محيي الدين عبد الحميد ... وعشرات غيرهم.
__________________
(٦٤) زيدان ، جرجي. تاريخ آداب اللغة العربية. بيروت : دار مكتبة الحياة ، ١٩٨٣ ، ٤ / ٤٠٧ ـ ٤٠٩.