يجعل منه أمرا سيئا ، فيحاول أن يجعل (عدم حصر الاجتهاد بفرد أو أفراد) نقطة ضعف ، بينما هي أكبر نقطة قوة في نظام التشريع الإسلامي ، إذ تعني أن لكل فرد من أفراد المجتمع الإمكانية في التطلع إلى هذا المقام ، إذا أمكن أن يحقق لنفسه قابلية الاجتهاد وتمكن من أن يتوصل بالجد والدراسة إلى مرتبة علمية تؤهله لذلك ، فليس الاجتهاد (تمرا) أو (سندويجا) يأكله الفرد ، وإنما هو بحاجة إلى متابعة ومثابرة حتى تحصل ملكته في عقله ونفسه.
فهل القانون الغربي يمنع أي فرد أن يدرس القانون ويترقى في مدارج المدارس القانونية ، حتى يترشح إلى المجلس التشريعي ويصير مشرعا؟! أو أن السلطة التشريعية ـ مثل أية سلطة أخرى ـ محصورة في الغرب على أفراد معينين من طبقة معينة موصوفة لا تتعداها؟!
نعم ، الإسلام لم يحصر الاجتهاد في شخص أو جماعة ، وهذه مفخرة في النظام الإسلامي ، فلا تتكون سلته التشريعية من ثلة من المتحزبين في إطار وضعي معين ، ولا يتبعون أهواءا خاصة ، بل جعل صفة (الاجتهاد) ومعرفة الأحكام من أدلتها ملاكا لقابلية الدخول ضمن السلطة التشريعية ، فهل هذا نقص حتى يعرضه المؤلف ضمن ما يتصوره على الحضارة الإسلامية من (سلبيات)؟!
وأما أن الاجتهاد ليست له صفة الالزام ، فهذا جهل ببحوث هذا الموضوع الهام في علم التشريع الإسلامي ، فالاجتهاد إليه ملزم لنفس المجتهد بلا نزاع ، ولمن يرى ذلك المجتهد أعلم من المجتهدين الآخرين ، وبالنسبة إلى الموضوعات العامة التي ترتبط بإدارة الشؤون الحكومية ، فإن الالزام حتمي فيما إذا كان المجتهد الحاكم قائما بالأمر ، بعد موافقة أهل الخبرة من المجتهدين ـ أصحاب السلطة التشريعية ـ وتعينه (وليا للأمر) ويكون حكمه نافذا ، بعد ثبوت اجتهاده ، وموافقته للأصول المقررة وعدم مخالفته للدستور الأساسي للشريعة ، ولا يجوز الرد عليه حتى من مجتهد آخر.