إن إغضاء المؤلف عن كل هذه الحقائق ، وطرحه للاجتهاد كأن تمر يؤكل ، ليس إلا مبتنيا على غرضه في تزييفه وتهوين أمره.
وأما أن الاجتهادات اختلفت ، وتشرذم الناس ، فهل أن البرلمانات في البلدان الغربية ـ ذات الحضارة الواحدة ـ لم تختلف ، ولم تختلف شعوبها ، في كل بلد حول برلمانه ، ولم تختلف تشريعاتها حسب تعدد برلماناتها؟!
وهل لهم (تشريع) واحد؟!
ثم أن الاختلاف في المذهب الفقهي ، إنما هو ناشئ من اختلاف في وجهة النظر والفهم للمصادر ، وهو يتبع اختلاف المنهج المذهبي في تحديد تلك المصادر ومدى حجيتها ، وليس العكس كما يريد المؤلف.
فلو اتحدت الكلمة ، واتفقت الروية إلى أصول الدين ، وأصول الفقه ، لما تعددت المذاهب الفقهية أصلا ، إلا بصورة ضئيلة.
فليس الاجتهاد سببا في وجود المذاهب الطائفية ، بل المذاهب الطائفية والرؤى الفكرية المتعددة هي السبب في اختلاف المذاهب الفقهية حسب مصادر الاجتهاد عندها.
* البديل الثقافي :
ليست أية حضارة معصومة من الأخطاء والعقبات التي تعترض طريقها مهما كانت الأسس والنظريات المبنية عليها رصينة ومحكمة ، وحتى تلك المستلهمة من السنن والشرائع الإلهية ، لما هو واضح من عدم عصمة الناس القائمين على عملية التطبيق ، ما يدخل في خلال ذلك من أهواء ورغبات ، أو أخطاء وتصرفات تستند إلى السهو ، لكن الهجوم على حضارة ما ـ مهما كانت ـ وتخطئتها بالجملة ، وبصورة مطلقة ، والتركيز على سلبياتها ، والتغاضي عن إيجابياتها أمر مخالف لأبسط قواعد العدل والحكمة ، ومناف للنظرة الحيادية التي يجب أن يتمتع بهما الباحث الحيادي.