وبه يظهر ما في دعوى الترمذي والشيخ تقي الدين السبكي الشافعي (٣١) إجماع أهل العلم على ترك العمل بحديث ابن عباس ، فإنها دعوى باطلة مردودة بعدم ثبوت الاجماع ، فقد قال به ابن عباس وعمل به ، ووافقه أبو هريرة ، وذهب إليه جماعة من الفقهاء ـ كما سيأتي إن شاء الله تعالى ـ وعليه انعقد إجماع الإمامية.
وقال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (٣٢) : وأما حديث ابن عباس فلم يجمعوا على ترك العمل به ، بل لهم أقوال. انتهى.
وقال الآلوسي في تفسيره (٣٣) ـ في رد كلام الترمذي ـ : إنه ناشئ من عدم التتبع.
وليت شعري لم تركوا العمل به مع أنه من الأحاديث الصحيحة والنصوص الصريحة في الباب؟! وأي وزن يقام لإجماعهم ـ على تقدير ثبوته ، وقد عرفت ما فيه ـ في مقابل النصوص المستفيضة؟!
فلا محيد من الاذعان بها والبخوع لها ، والله المستعان.
ومنه يعلم أيضا ما في قول القاضي شرف الدين الحسين بن محمد المغربي في (البدر التمام في شرح بلوغ المرام) (٣٤) : إن حديث ابن عباس عند مسلم (أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم جمع الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر ، قيل لابن عباس : ما أراد إلى ذلك؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته) لا يصح الاحتجاج به ، لأنه غير معين لجمع التقديم والتأخير
__________________
(٣١) سنن الترمذي ـ كتاب العلل ـ ٥ / ٧٣٦ ، وكلام السبكي تجده في صفحة ٢٢ من رسالة الاجتماع والافتراق المطبوع مع رسالتين أخريين في مجموعة بعنوان : (الدرة المضيئة).
(٣٢) شرح صحيح مسلم ٣ / ٤١٠.
(٣٣) روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني ١٥ / ١٣٤.
(٣٤) كما حكاه عنه الأمير الصنعاني في سبل السلام ٢ / ٤٣ ، والشيخ صديق بن حسن القنوجي البخاري في فتح العلام ١ / ١٩٥.